يعقد اليوم فريق من الباحثين السوريين ندوة فكرية حول الديمقراطية والإسلام، لمواجهة ما يظهر من رفض بعض المتشددين للديمقراطية ومن دعوة آخرين إلى «الخلافة» التي يظن بعضهم أنها شكل الحكم الوحيد في الإسلام، رغم أن تاريخنا الإسلامي عرف كل أشكال الحكم، وقد تأسست رؤية الدولة المدنية منذ إعلان وثيقة المدينة المنورة. والديمقراطية ليست جديدة على السوريين، فقد عرفوها منذ بدء تطبيقاتها الأولية في «مجلس المبعوثان» عام 1877 وقد عطل هذا المجلس ثلاثين عاماً ثم أعيد عام 1908 وضم ستين نائباً عربياً من أصل 275. كما أن السوريين سارعوا بعد انهيار الدولة العثمانية إلى تأسيس برلمان عرف باسم «المؤتمر السوري» في يونيو 1919 تم اختيار أعضائه من نواب «مجلس المبعوثان» المنتخبين، وترأسه هاشم الأتاسي، وقد أصدر هذا المؤتمر، وهو البرلمان العربي الأول، بياناً مهماً تضمن قرارات سيادية من أهمها وحدة سوريا، ورفض اتفاقية «سايكس- بيكو»، و«وعد بلفور» ورفض الانتداب. وفي عام 1928 جرت انتخابات الجمعية التأسيسية التي وضعت أول دستور، وقد أوقفه الفرنسيون بعد الاحتجاجات الكبرى على احتلال فرنسا لسوريا، وتشكلت حكومة ائتلاف وطنية برز فيها شكري القوتلي زعيماً للكتلة الوطنية. وعاد البرلمان من جديد عام 1943 بعد عامين من تعطيله، وانتخب شكري القوتلي رئيساً للجمهورية، وشكل الحكومة سعدالله الجابري، وبعده شكلها فارس الخوري، وهاتان الحكومتان رفضتا عقد اتفاقية تتضمن امتيازات لفرنسا في سوريا. وحين تحررت سوريا وحصلت على استقلالها، كانت أهم قضية تتعلق بالديمقراطية واجهها البرلمان السوري هي قضية تمثيل الأقليات، وقد توصل البرلمانيون إلى قرار بإجراء الانتخابات على مبدأ المواطنة دون أي تمييز بسبب العرق أو الدين أو الطائفة أو المذهب. وقد صدر بذلك مرسوم عام 1947 وهو العام الذي ظهر فيه حزب «البعث» في مؤتمره التأسيسي في سوريا. ومن المفارقات أن هذا الحزب الذي أصدر دستوره الأول يومذاك أعلن في مادته الرابعة عشرة أن النظام الذي يتبناه هو نظام نيابي برلماني، ولكنه حين وصل إلى السلطة في عام 1963 عطل الحياة الديمقراطية السورية، وبدأ حكماً عسكرياً، ولم تشهد سوريا انتخابات نزيهة وحرة بعد ذلك. وأعود إلى القول إن الجدلية حول الديمقراطية حسمت حتى في الأوساط الدينية قبل الاستقلال وبعده، حيث رأى كثير من علماء المسلمين أن الديمقراطية -على رغم كونها أعجمية الاسم، غربية المضمون- تنسجم مع مبادىء الإسلام العظيم ولاسيما في كونها تضمن حرية المعتقد وحرية الرأي وحرية التعبير وحرية العمل السياسي، وكل ذلك في إطار قانون عام يحقق العدالة والمساواة، ولا يخالف الدستور الذي لا يخالف هو أيضاً بدوره الشريعة الإسلامية، وهو يضمن لغير المسلمين حريتهم في تحقيق شرائعهم، وهذا ما عمل به دستور عام 1950 الذي ينادي اليوم كثير من السوريين باعتماده للمرحلة الانتقالية المرتقبة، لأنه نتاج وعي فكري وسياسي قدمه جيل الآباء الرواد. وقد جاء في مقدمة هذا الدستورالنص التالي «ولما كانت غالبية الشعب تدين بالإسلام فإن الدولة تعلن تمسكها بالإسلام وبمثله العليا»، وحددت المادة الثالثة أن دين رئيس الجمهورية هو الإسلام، وأعلن أن الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع، وأن حرية الاعتقاد مصونة، وأن الدولة تحترم جميع الأديان السماوية، وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على ألا يخل ذلك بالنظام العام، وأن الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية. إننا لا نغفل عن وجود مساوئ في الديمقراطية، وفي كونها تساوي في التصويت بين عالم وجاهل، فلكل منهما صوت، وأنها قابلة للتزييف والبيع والشراء، ولكن خوض غمار التجربة سيحمّل الشعب مسؤولية اختياره، وهذا ما يجعلها خياراً أفضل. وحسب الديمقراطية أنها تضمن للناس حريتهم وكرامتهم، ولا يفرض عليهم أمر بقوة السلاح، والإسلام يرى أن خير أئمتنا هم الذين نحبهم ويحبوننا، وصندوق الاقتراع هو الذي يحدد ذلك.