لفت انتباهي في الآونة الأخيرة جدل أثير عن الأعمال الخيرية التي يقوم بها بعض الرأسماليين. فقد ألقى الكاتب «أناند جيريدهاراداس» كلمة في معهد «أسبن» دعا فيها بألطف طريقة ممكنة الرأسماليين أصحاب النفوذ إلى مزيد من التبرع لدعم قضايا الخير والعمل الإنساني. وقد حضرتُ عدداً من فعاليات هذا المعهد، وفي وقت سابق من هذا العام نظّم حلقة نقاس عن «القيود الأخلاقية على الأسواق». والزعم بأن الرأسمالية مشروع «آثم» أخلاقياً كان شائعاً على نطاق واسع وسط بعض الشباب. وهي مغالطة تحظى بشعبية كبيرة. ووجهة النظر المعاكسة ترى أن المعضلة تتمثل في أن البدائل «الأرقى» أخلاقياً، مثل الاشتراكية! ليست مجدية هي أيضاً. وبالتالي يتعين التسامح مع الرأسمالية لأنها «شر» لابد منه وهي الأخف ضرراً على كل حال. وعندما أفكر في أكثر الرأسماليين نجاحاً في هذا العصر، «بيل جيتس» أو «ستيف جوبز» على سبيل المثال، لا يخطر في ذهني ضرر كبير تسببوا فيه لنا. فقد حقق «جيتس» بالطبع خيراً هائلاً مرتين، أولًا باعتباره مبتكراً رأسمالياً، ثم باعتباره فاعل خير. ولكن حتى عندما كان يفكر بعقلية فردية الجانب في جمع المال كان يقدم أيضاً لنا خدمة هائلة. والخير الذي فعله يكمن تحديداً في رغبته في أن يبيع لنا أشياء لنا حرية شرائها أو عدم شرائها، وهذا من صلب الرأسمالية. والرأسمالية تنطلق من منفعة أخلاقية قوية. ففيها يجري التعامل بين أشخاص يتمتعون بقدر معقول من الحرية والإرادة، أما الاشتراكية فتعتمد في منهجها على القسر. ولا أنكر أن هناك كثيراً مما يتعين قوله هنا عن المعاني الأعمق للحرية وقضايا أخرى. ولكن كل ما أدعيه هو أن هناك نوعاً من البلادة في افتراض عدم أخلاقية الرأسمالية. ولكن ماذا عن وجهة النظر القائلة إن الرأسمالية على رغم ما قد تبدو عليه من الاتساق النظري فهي في الممارسة تأتي بأسوأ ما في البشر؟ كقول البعض إن «الجشع جيد» وغير هذا من أفكار! وهي أفكار تؤخذ باعتبارها مسلّمات ولكنها تبقى موضع شك على أقل تقدير. وعلى العكس فالقراءة بذهن مفتوح للتاريخ تشير، على العكس، إلى أن الرأسمالية جاءت بأفضل ما في البشر. وقد جادل آدم سميث بأن التجارة تقود إلى التمدن وهذه هي الفكرة المحورية في كتابه «ثروة الأمم». وتشير أيضاً مجموعة من المساهمات النظرية الحديثة إلى أنه على امتداد زمني طويل أدى الثراء المتزايد إلى تعزيز التسامح والالتزام بالنزاهة والتوجه نحو الديمقراطية، وساعد في إنهاء فكرة الحرب الدائمة. وتزايد الرخاء وهو من منتجات التنمية الرأسمالية ساعد على التقدم في مجال العدالة الاجتماعية أيضاً. ومن الخطأ النظر إلى الرأسمالية باعتبارها معيبة أخلاقياً وإن كنت لا أدعي أيضاً أنها كاملة الأوصاف أخلاقياً. ومن الوارد أن تثار الأسئلة الأخلاقية عن تكافؤ الفرص وعدم المساواة وما ندين به لبعضنا بعضاً من واجب تضامن وتعاون كمواطنين وكسكان للكوكب نفسه. ولكن هذا من شأن السياسة. والرأسمالية ليست لديها إجابات معلبة لتلك الأسئلة، وليست جزءاً من المشكلة. وليس مطلوباً منها الاعتذار عنها، على كل حال. كليف كروك: محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»