في حين أنك ربما تعتقد أن حرب العراق هي آخر شيء يريد «جيب بوش» التحدث عنه، نظراً لحقيقة أن حرب أخيه تلك ربما كانت كارثة السياسة الخارجية الوحيدة في تاريخ الولايات المتحدة، وأن جيب بوش نفسه أمضى أسابيع في محاولة معرفة ما إذا كان يتعين عليه القول بأنها كانت خطأ، إلا أنه لم يتجنب الموضوع. وهو دائماً ما يثير الأمر، وقد أوضحت تصريحاته الأخيرة مدى قلة فهمه لما حدث هناك، وللدروس التي يتضمنها الموضوع بالنسبة للمستقبل. واصل «بوش» خلال تصريحاته يوم الخميس التأكيد على أنه تم تحقيق الفوز في الحرب، إلى أن أفسد أوباما كل شيء من خلال الانسحاب المبكر! وأضاف «بوش»، يوم الخميس الماضي، «لقد كنت منتقداً، وأعتقد أن الناس لديهم الحق في انتقاد القرارات التي تم اتخاذها. في عام 2009 كان العراق هشاً لكنه كان آمناً. وكان قد تم إنجاز المهمة فيما يتعلق بتحقيق الأمن هناك، وذلك بفضل الجهود البطولية للرجال والنساء في الجيش الأميركي». وأكد المرشح الرئاسي الجمهوري على أن إزاحة صدام حسين عن السلطة كانت «صفقة جيدة جداً»، وأثنى على قرار أخيه بزيادة القوات عام 2007 باعتبار ذلك استراتيجية «فعالة للغاية». لكن الفكرة القائلة بأن إزاحة صدام حسين كانت «صفقة جيدة جداً» هي فكرة مشوشة جدا لدرجة أنها تربك العقل. تخيل لو أن أخاه قال في عام 2003: دعوني أقدم لكم هذه الصفقة: سنزيح صدام حسين وهذا سيكلفنا فقط أرواح 4000 أميركي وجرح عشرات الآلاف غيرهم، وما يقرب من 2 تريليون دولار، وازدياد المعاداة للولايات المتحدة في العالم، وسنوات من الفوضى في الشرق الأوسط.. فهل كان هذا ليبدو صفقة جيدة؟ لكن دعونا ننحي ذلك جانباً. ماذا عن فكرة أن كل شيء في العراق كان يمضي على ما يرام، «هشٌ لكنه آمن»، حتى انسحب أوباما مبكراً؟ إن بوش مخطئ في كلا الأمرين. أولا، هناك حقيقة مهمة نحتاج إلى فهمها حول هذا الأمر، وهي حقيقة لم يشر إليها بوش: إن أوباما لم يقرر توقيت مغادرة القوات الأميركية من العراق، بل الذي قرره هو جورج دبليو بوش. إن اتفاقية وضع القوات التي تم التفاوض بشأنها بين الحكومتين الأميركية والعراقية تعلن في المادة 24 أن «جميع القوات الأميركية ستنسحب من الأراضي العراقية في موعد أقصاه 31 ديسمبر 2011». وتم توقيع هذا في 17 نوفمبر 2008، عندما كان كان شقيق جيب بوش -وليس أوباما- رئيساً للولايات المتحدة. ويرى المحافظون أن أوباما كان بوسعه التفاوض بشأن اتفاقية أخرى لوضع القوات الأميركية تسمح ببقاء الكثير من هذه القوات، وأنه كانت هناك مفاوضات كثيرة من هذا القبيل، لكنها تعثرت بسبب مسألة حصانة القوات الأميركية. فقد رفضت الإدارة بقاء قوات دون ضمان بأنه لن يتم القبض على أحد من أفرادها أو محاكمته من قبل السلطات العراقية، وهو أمر لا يتحمله أي رئيس أميركي، لا ديمقراطي ولا جمهوري. وبالتأكيد، كان أوباما حريصاً على الالتزام بالجدول الزمني الذي وضعه بوش لانسحاب القوات الأميركية من العراق بنهاية 2011. ولعله كان صحيحاً أننا لو تركنا آلاف القوات هناك، لكانت منعت وقوع بعض أعمال العنف. لكنها لم تكن لتغير سياسة العراق، وهذا هو الأمر الثاني الذي أخطأ جيب بوش فهمه. ما كانت العراق تحتاجه لتأمين مستقبلها هو أمر واحد لم يستطع الأميركيون تقديمه وهو المصالحة السياسية. وبدون ذلك، ستظل هناك صراعات لا تنتهي. وكانت طائفية حكومة المالكي هي التي فتحت الباب لظهور تنظيم «داعش». ربما يكون ذلك أخطر شيء بالنسبة لنظرة بوش بشأن العراق، والذي يمكن أن يقال عن خصومه الأساسيين. فهم لم يظهروا أي فهم للتركيبة الداخلية للعراق، سواء الآن أم سابقاً، ناهيك عن السياسات الداخلية لدول أخرى في المنطقة، ومنها إيران. وهذا أحد أسباب الفشل الرئيسية التي أدت إلى كارثة العراق في المقام الأول. بول والدمان: كاتب في مجلة «أميركان بروسبيكت» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»