أصبحت أزمة اليونان أسطورية لدرجة أن فكرة تقديم صفقة إنقاذ ثالثة اكتسبت أسطورتها الخاصة بها، والتي تفيد بأنها ستؤدي إلى تراكم المزيد من الديون على أكتاف أمة غارقة في الديون بالفعل. والواقع أن أحدث صفقة ستقلص عبء الديون المتوسطة وطويلة الأجل على اليونان. والصفقة الجديدة المقدمة لليونان، ومقدارها 85 مليار يورو، تساعد في زيادة النسبة بين الدين الإسمي وإجمالي الإنتاج المحلي إلى 200 بالمئة بدلاً من النسبة الحالية، وهي 175 بالمئة. لكن وليام كلاين من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، أوضح في الآونة الأخيرة أن هذه الديون المضافة «خداع في الرؤية إلى حد كبير». وفي السنوات الثلاث القادمة، يتعين على اليونان تسديد 35.9 مليار يورو لصندوق النقد الدولي والبنوك المركزية في منطقة اليورو، ومنها بنكها المركزي والبنك المركزي الأوروبي وبنوك خاصة. ويتعين تسديد سبعة مليارات أخرى من المتأخرات. ولذا فإن نحو نصف المساعدة الجديدة سيحل محل الديون القائمة بالفعل مما يجعل النسبة الواقعية للإنتاج المحلي الإجمالي تزيد مؤقتاً وبشكل قليل نسبياً. وبالإضافة إلى هذا، فإن إحلال الدين أقل كلفة من سداده. فمتوسط سعر الفائدة على الدين لمؤسسة الدعم المالي الأوروبي يبلغ 1.65 بالمئة مقارنة مع 3.7 بالمئة لصندوق النقد الدولي. وهذا يرقى إلى مستوى التخفيف من الدين وليس زيادة عبئه على اليونان. ويخصص 25 مليار يورو أخرى لإعادة رسملة البنوك اليونانية. وبضخ هذه الأموال إلى بنوك اليونان ستزيد فوائد الملكية للحكومة في البنوك الأربعة الأساسية في البلاد لتصل إلى 90 بالمئة بدلا من 40 بالمئة حالياً. ويتوقع أن تسدد الحكومة قروض إعادة الرسملة من عائدات الخصخصة، إذ هناك صندوق بقيمة 50 مليار يورو تأسس لبيع أصول مملوكة للدولة، منها بنوك أكثر قيمة الآن. وكتب كلاين أن هذا الإجراء يضخم حجم صفقة المساعدات مما يخلق رؤية غير مواتية. وفي الواقع، يقوم الاتفاق على سداد 25 مليار يورو إضافية. وإذا نُفذت عملية الخصخصة، كما هو مزمع، فإن هذا الدين سيختفي. وبعد إزالة هذه العناصر من صفقة الإنقاذ تتبقى 17 مليار يورو فحسب مقترضة بمعدل فائدة أفضل مما حصلت عليه أوكرانيا من قروض صندوق النقد الدولي. والواقع أن كلاين يرى أنه مع الصفقة ينخفض معدل ديون اليونان إلى إجمالي ناتجها المحلي إلى 151 بالمئة بحلول عام 2024 وبدون الاتفاق الجديد، يقدر صندوق النقد الدولي هذا الرقم بأنه سيكون 167 بالمئة. والخصومات التي تتلقاها اليونان على الديون القائمة وعلى الصفقة الجديدة أيضاً تعني أن سداد سعر الفائدة سيصل متوسطه إلى 3.7 بالمئة من إجمالي الإنتاج المحلي حتى عام 2020، وهي نسبة أكبر بقليل من نظيرتها في إيطاليا (3.4 بالمئة). والصفقة الثالثة لإنقاذ اليونان تتجاوز الصفقات السابقة في تقليص السيادة الاقتصادية اليونانية. وتفرض تقليصاً تلقائياً على إنفاق الحكومة، إذا لم يتم تحقيق الأهداف. وباختصار، تهين بنود صفقة الإنقاذ الجديدة الحكومة اليونانية بعدم ثقة مستحقة عن جدارة. لكنها لا تتسبب في ذالك الضرر الاقتصادي الذي يتحدث عنه كثير من المعلقين. وعلى ما يبدو فإن رئيس الوزراء اليوناني (تسيبراس) أدرك أنه لا بديل آخر لأن بلاده لا تستطيع الوصول إلى الأسواق المالية ولا تستطيع تحمل معدلات الفائدة حتى إذا استطاعت الوصول إلى هذه الأسواق، وبالتالي يتعين عليها الاعتماد على تمويل أرخص وأكثر سخاءً من الاتحاد الأوروبي. وكما أنه لا توجد طريقة أخرى، على عكس ما تذهب إليه الأسطورة، لتجنب التقشف، فإن اليونان لا تؤذي نفسها لإرضاء معذبيها الألمان الآن. وحكومة تسيبراس تم تخفيف عبئها من صناعة السياسة وتم حثها على التركيز على التنفيذ الأمين، الذي كان مشكلة اليونان مع دائنيها منذ البداية. وهذه مطالب كثيرة من أي دولة، لكن قد لا تكون عسيرة المنال. وأرقام النمو غير المتوقعة عن الربع الثاني تبين أن اليونان في الطريق للخروج من أزمتها. والمرة الثالثة قد يحالفها الحظ خاصة إذا كان تسيبراس صادقاً في اعتماده على أموال الإنقاذ وإذا ظلت شعبيته كبيرة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»