لدى الشعوب الخليجية، فإن إيران وحدها هي التي خلقت «داعش»، أو إيران وبشار، أو أميركا وحدها، أو أميركا والغرب، أو إسرائيل، وتركيا.. تلك هي الجهات التي يشيرون إليها بأصابع الاتهام عن خلق «الدواعش»، وأحياناً يوجه الاتهام لأكثر من دولة وجهة، وأحياناً إليها جميعاً، فيما يشبه المؤامرة الكونية ضد الإسلام، أو ضد العرب، أو ضد دول الخليج العربية. وتبقى تلك الاتهامات مجرد استنتاجات، وأحياناً تقوم على معطيات، وأحياناً تكون مجرد اتهامات مرسلة لا دليل عليها. ونستطيع الجلوس ألف سنة ونحن نستنتج ونحلل ونتهم، ويمكن أن نضع قائمة طويلة لأهداف ومصلحة كل دولة من تلك الدول، ويمكن أن نضع أيدينا على الدول المستفيدة من كل عملية من عمليات «الدواعش»، فهذا يصبّ في مصلحة النظام الخميني، لإبعاد الأنظار عن ممارساته، وهذا يخدم نظام بشار، لخلط الأوراق، وهنا إسرائيل هي المستفيدة، إذ باتت تراقب الوضع المتفجر بفرح بالغ، وهذا يصبّ في مصلحة الغرب المتورط بالمهاجرين المسلمين، وهذا يخدم أميركا التي تسعى إلى إعادة رسم خرائط الشرق الأوسط. وهذا كله لا يغير من حقيقة أمر واحد لا نحتاج معه إلى التكهّن وإعمال مبدأ «ابحث عن المستفيد» وتشغيل ماكينة نظرية المؤامرة، وهي أن الفكر الذي يستند عليه هؤلاء لا علاقة له بكل تلك الدول، أعني أن الذي يدفع بالشباب الخليجيين وغير الخليجيين للالتحاق بـ«داعش»، ليس الفكرة الخمينية، ولا الفكر البعثي أو الطائفي المهيمن على نظام بشار، ولا الليبرالية الأميركية أو الغربية، ولا الدولة الصهيونية، ولا الفكر الأتاتوركي الحاكم في تركيا. نحن نخلط في المسألة «الداعشية» بين أمرين؛ أمر التنظيم والأموال والتجهيزات واستقطاب المقاتلين وإرسالهم والسماح لهم بتخطي الحدود، وأمر الفكرة «الداعشية» التي تسلب العقول تفكيرها والصدور ضمائرها.. فالشاب العربي يؤمن قبل كل شيء بفكرة، ثم يحمل فكرته على كتفه ويبحث عن طريقة يلتحق من خلالها بـ«داعش» وبقية التنظيمات المشابهة له فكرياً وعقائدياً. وسنلاحظ أن كلامنا يدور في أكثره حول طريقة التحاق ذلك الشاب بـ«داعش»، وليس حول الباعث أو السبب أو الفكرة التي دخلت رأسه وغيّرته. نحن نتساءل عن كيفية وصولهم إلى عاصمة «الدواعش» في الرقة السورية؟ ومن استقبلهم؟ ومن سلّحهم؟ وأين كانت الأقمار الصناعية عنهم؟ ومن أين أتوا بقوافل السيارات الجديدة التي يسيرون بها في الشوارع العراقية أو السورية؟ ومن يدفع لهم رواتبهم الشهرية؟ ومن أين يأكلون؟ وكيف استطاعوا أن يتزوجوا هناك؟ ومن وفّر لهم التقنيات التي يصنعون من خلالها أفلامهم الدعائية؟ المشكلة أننا إذا حوّلنا أنظارنا إلى المرحلة التي تعقب تحول الإنسان العادي إلى «داعشي» يحمل الكلاشنكوف أو يتحزّم بالمتفجرات أو يجلس خلف مقود سيارة مفخخة.. فإنه لن يأتي اليوم الذي تكون فيه نسبة «الدواعش» بين أبناء هذه المنطقة صفراً، ودائماً ستكون هناك دول تخطط، ودول تستغل، ودول تحاول الهيمنة، والمادة الخام البشرية متوفرة من أبناء المنطقة، ويمكن تحريكها وتوجيهها ببعض الدعم الاستخباراتي والعسكري والسياسي والمالي. ستنتهي «الداعشية» ?يوماً? ?كما? ?انتهت? ?«القاعدة» قبلها، لكن? ?لن? ?تنتهي? ?مشكلة? ?الأفكار? ?التي? ?تحوّل? ?الشباب? ?إلى? ?قطع? ?شطرنج ?إلا بفكر? ?جديد.?