التغيرات الكبيرة التي طرأت على هيكل النظام الاقتصادي العالمي خلال السنوات الماضية وفرت فرصاً كبيرة لعدد من الاقتصادات الصاعدة والناشئة، التي ازداد وزنها النسبي على حساب الاقتصادات المتقدمة، ومراكز الثقل التقليدية في النظام الاقتصادي العالمي على مدار عقود. وفي خضم هذا التحول برز عدد من القوى الاقتصادية الجديدة، من بينها الصين والهند. وتشير التقديرات إلى أن الاقتصاد الصيني بمقدوره الصعود إلى المرتبة الأولى عالمياً من حيث الحجم في نهاية العقد الجاري، وأن الاقتصاد الهندي سيحل في المرتبة الثانية في وقت لاحق متفوقاً على الاقتصاد الأميركي الذي سيحل ثالثاً. وقد وفرت تلك التغيّرات فرصة ذهبية لقوى اقتصادية أخرى جديدة أيضاً، بات لها دور بارز في تحفيز الاقتصاد العالمي على النمو، ودفع التجارة العالمية قُدُماً نحو التوسع، ويمكن في هذا الصدد الإشارة إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد أصبحت، وفق العديد من التقارير الدولية والتقديرات الصادرة عن عدد غير قليل من المؤسسات والمنظمات الاقتصادية، بمنزلة القوة الاقتصادية المحورية على المستويين الإقليمي والعالمي، عبر تمكنها من جعل اقتصادها مركزاً مالياً عالمياً ونقطة محورية على خريطة التجارة العالمية، هذا بالإضافة إلى موقعها الريادي في عدد من الأنشطة الاقتصادية الأخرى، ومن بينها: قطاع السياحة، والقطاع العقاري، وقطاع الطاقة التقليدية، والطاقة المتجددة، فضلاً عن شراكاتها الدولية المتعددة في العديد من المجالات، ودعمها الواسع لجهود التنمية الدولية. هذا الصعود الاقتصادي المتزامن لكل من دولة الإمارات العربية المتحدة والهند فتح أمامهما الباب لتعزيز العلاقات الثنائية في العديد من المجالات، والبناء على العلاقات التي يرتبطان بها منذ زمن بعيد، إذ تأتي الإمارات ثالث أهم الشركاء التجاريين للهند، وتأتي الهند ثاني أهم الشركاء التجاريين للإمارات. ويبلغ التبادل التجاري بين الدولتين نحو 60 مليار دولار سنوياً، كما تحتضن الإمارات نحو 50 ألف شركة هندية. ويعمل فيها أكثر من مليوني عامل من الجنسية الهندية. وترتبط الدولتان بالعديد من الاتفاقات ومذكرات التفاهم في مختلف المجالات. وهناك لجنة مشتركة على مستوى وزراء الخارجية في الدولتين، لها دور مهم في بحث سبل تطوير العلاقات الثنائية بينهما بشكل دوري. والزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، لدولة الإمارات العربية المتحدة فتحت الباب على مصراعيه لإضافة المزيد من الزخم إلى ذلك الرصيد الكبير من العلاقات التي تربط بين البلدين، وقد اتفق الطرفان خلال الزيارة بالفعل على عدد من النقاط المهمة، على رأسها: أولاً، إنشاء صندوق إماراتي هندي بقية 75 مليار دولار للاستثمار في البنية التحتية. ثانياً، زيادة التجارة الثنائية بنسبة 60% خلال الأعوام الخمسة المقبلة. ثالثاً، السماح للشركات المنتمية للبلدين بالمزيد من المشاركة في المشروعات الكبرى فيهما، حيث تشارك الإمارات في تطوير الاحتياطيات الاستراتيجية النفطية للهند، وتشارك الهند في مشروعات البنى التحتية في الإمارات. رابعاً، تعزيز التعاون المشترك بين البلدين في تطوير التعليم والبحث العلمي والطاقة المتجددة والزراعة والرعاية الصحية وعلوم الفضاء. خامساً، وهو الأهم، اتفق الطرفان على الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مرتبة الشراكة الاستراتيجية الشاملة. هذه البنود، لاسيما البند الأخير منها، تؤكد أن الدولتين تعيان تماماً أهمية استغلال الفرص السانحة لتعزيز علاقاتهما، وتوقنان بأن المرحلة الحالية، كما أنها تحمل فرصاً كثيرةً، فإنها تنطوي على تحديات كثيرة أيضاً، منها مخاطر الإرهاب الدولي المتصاعدة، ومظاهر عدم الاستقرار الاقتصادي العالمي المتزايدة، وهناك ضرورة ملحة للتقارب وتنسيق المواقف بين الدول الصديقة في مثل هذه الظروف؛ من أجل استغلال الفرص ومواجهة التحديات، لتحقيق أهداف الشعوب، وإحلال الأمن والاستقرار، ودعم مسيرة التنمية على المستويين الوطني والدولي. عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية