أقدمت الصين يوم الثلاثاء الماضي، على اتخاذ خطوة، كانت قد أحجمت من قبل عن اتخاذها خلال الأزمة المالية العالمية، وذلك عندما أعلنت تخفيض قيمة عملتها المحلية «اليوان» لتعزيز نمو اقتصادها. وبهذه الخطوة، تنضم الصين للدول الأخرى التي تحاول اقتناص أنشطة اقتصادية خارج حدودها، وذلك في وقت يجهد فيه الاقتصاد العالمي لتحفيز معدلات نمو كافية. وقرار الصين، من هذا المنظور، يقدم مؤشرات عديدة على العلل التي يعاني منها اقتصادها، ويعاني منها أيضاً الاقتصاد العالمي، ويحمل في طياته مغازي ضمنية، على قدر كبير من الأهمية. وكانت الصين قد تعرضت لضغوط عديدة على مدى سنوات، لإقناعها بتبني نظام أكثر مرونة لأسعار صرف العملات الأجنبية، يخضع بالدرجة الأولى لآليات السوق، وهي ضغوط مارستها عليها الولايات المتحدة على وجه التحديد، علماً بأن صندوق النقد الدولي قد أثار نقطة مماثلة، خلال المداولات التي أجراها مؤخراً حول الوضع المالي العالمي لـ«اليوان». وباختيارها لهذه اللحظة تحديداً، لتغيير نظامها الخاص بسعر صرف عملتها، فإن الصين تحاول الاستجابة لواحد من أكبر التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن، هو ذلك الخاص بتحسين معدلات النمو. ومنذ الأزمة المالية العالمية، اقتصرت مسألة السعي لتحقيق نمو مرتفع المستوى على الدول المتقدمة بالدرجة الأولى. ولكن بزيادة حالات فشل تلك الدول في التعامل مع هذه المسألة، زادت بالتبعية التداعيات السلبية على الاقتصادات البازغة. وكلما طال أمد فشل تلك الدول في تحفيز نمو مدفوع بمحركات اقتصادية داخلية، كلما زادت احتمالات تعرضها لإغراء الاستحواذ على عائد هذا النمو من قِبل الآخرين. ومن الطرق المجربة في هذا المجال، العمل على تحقيق ذلك من خلال تخفيض قيمة العملة الوطنية، في محاولة لجعل صادرات البلد القائم بذلك أكثر تنافسية، وجعل وارداته أكثر تكلفة، ما يؤدي إلى تحويل الطلب الداخلي والخارجي في اتجاه الإنتاج المحلي، على حساب الموردين الخارجيين. ولكن ما يصلح لدولة معينة في هذه الحال، قد لا يصلح للمنظومة بأكملها، وهو ما تترتب عليه بالتالي تداعيات للأسواق المالية. والتوقيت الذي اختارته الصين لاتخاذ هذا القرار، يؤشر على أن واحداً من أكبر الاقتصادات وأهمها للنظام العالمي، لم يعد في موضع يسمح له بلعب دوره الذي ظل يلعبه لفترة طويلة، كقاطرة للنمو العالمي، فالرياح المواتية التي وفرتها الصين للدول الأخرى ربما تتحول الآن إلى رياح مناوئة. وقرار الصين ينبغي أن يكون أحد الاعتبارات التي يتعين أخذها في الحسبان عند الإقدام على إجراء تغييرات مهمة في السياسة المالية التي تؤثر على الأسواق في أي دولة كانت، وهو ما ينطبق أيضاً على المداولات المكثفة التي يجريها الاحتياطي الفيدرالي في الوقت الراهن بخصوص التوقيت الذي ينبغي أن يبدأ فيه دورة رفع أسعار الفائدة. وإحدى التداعيات المباشرة والفورية للخطوة الخاصة بتخفيض قيمة «اليوان»، تتمثل في ارتفاع سعر صرف الدولار الموزون تجارياً Trade- weighted وهو ما سيتضاعف، عندما تستجيب بقية العملات تباعاً للقرار الصيني. وتقييم سعر الدولار بأزيد من قيمته الحقيقية، كان من ضمن المخاوف التي عبر عنها الاحتياطي الفيدرالي، باعتباره يمثل نقطة مناوئة محتملة لقائمة متزايدة من الأسباب المحلية المطلوبة، لزيادة أسعار الفائدة في الولايات المتحدة في موعد لا يتجاوز سبتمبر المقبل. وفي نهاية المطاف، سينظر إلى خطوة الصين المتعلقة بخفض قيمة عملتها، على أنها خطوة مهمة في رحلة هذه الدولة المستمرة منذ سنوات عديدة، نحو نظام مالي أكثر كفاءة، وأكثر استجابة لمتطلبات السوق. أما في المدى القصير، فهذه الخطوة ستؤدي لمفاقمة التحديات التي يواجهها النمو العالمي، كما ينتظر أن تضيف المزيد من التقلب للأسواق، التي فقدت بعضاً من مراسيها الأساسية.