«داعش يكرس لاهوت الاغتصاب»، عنوان تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» مؤخراً، وقد تضمن تعليقاً لوكيلة أمين عام الأمم المتحدة وممثلته الخاصة لضحايا العنف الجنسي في النزاعات «زينب بانغورا»، أوضحت فيه أنه ليس من الإسلام في شيء الاعتداء على أجساد النساء. وجاء التقرير مدعماً بالوثائق، ليؤكد شراسة «داعش» وبربريتها في التعامل مع من تسميهم «سبايا»، وهن النساء غير المسلمات أو نساء «أهل الفكر» كما يسمونهن! تقرير «نيويرك تايمز» حول النساء الأيزيديات ورواياتهن حول كيفية التفنن في إيذائهن جنسياً، بما يكشف أزمة كبيرة في فهم الإسلام لدى بعض المسلمين، وإن كنا نردد بأن ما تقوم به «داعش» لا يمت للإسلام بصلة، فإن مثل هذه الممارسات التي لها جذورها في التاريخ الجاهلي، تؤكد حالة مرضية ارتبطت بعقول البعض ممن يعيشون في القرن الحادي والعشرين زمنياً وليس ثقافياً. ووفق التحقيق الذي نشرته الصحيفة، يؤدي المغتصب الصلاة قبل الإقدام على فعله الوحشي، معتقداً أنه بذلك يتقرب إلى الله، وإن كان في الواقع يقترف فعله تحت حجج واهية. التحقيق كشف عن قناعات راسخة لدى المنتمين إلى التنظيم الإرهابي، وهم في نهاية الأمر أشخاص عاشوا في مجتمعاتهم، وتعلموا في مدارسها، وتعرضوا لتشويش كبير في فهمهم للدين! وفي بعض المجتمعات الإسلامية، هناك على سبيل المثال من يتولون وظيفة التشريع في البرلمان ويتقدمون بمقترحات لإلزام العاملات في الخطوط الجوية بارتداء «اللباس الشرعي»! والجانب المهم في ذلك الاقتراح كونه يتعلق بالنساء وليس الرجال، وهذا ما يؤكد اختلال الفهم حول العلاقة بالمرأة والنظرة إليها. وقد سمعنا مؤخراً من يشنِّع حضور فتيات كمشجعات في مباراة رياضية، بل ذهب أحد الدعاة إلى اعتبارهن «مستأجَرات»، وجاء آخر ليؤكد بأنه «التغريب»، مؤيداً ما قاله الداعية الأول. تقرير الصحيفة الأميركية يثير قضية مهمة لنا نحن في بلاد الإسلام؛ فهؤلاء يحملون هويتنا الإسلامية، ويتحدثون باسمنا كمسلمين، ويقومون بأعمال مقززة تؤثر على شرائح كثيرة في تكوين تصوراتها عن الإسلام. نحن ندرك أن كل ما يفعله أولئك المتطرفون لا علاقة له بالإسلام، وندرك أيضاً أن منا مَن أعطى فسحة لنمو هذه التشوهات التي تطالنا شرورها اليوم. لقد اتصف تعامل البعض منا بالليونة والمرونة مع تنظيمات الإسلام السياسي، ولم ندرك مخاطر اللعب بالعقول وبالناشئة إلا في وقت متأخر جداً. أتذكر شخصياً، عندما كنت عميداً لكلية العلوم الاجتماعية، كيف كنا نناقش مقترح «اللباس المحتشم» في جامعة الكويت، وكان الاقتراح قد قُدم من نائب في البرلمان الحالي لم يفتأ يهاجم «التغريب»، وأن الحكومة أحالت المقترح إلى مجلس الجامعة لمناقشته! مثل تلك المواقف والتصرفات تؤكد مصدقية تحذيراتنا من مداهنة «الإسلام السياسي»، لاسيما في أمور تعكس قصر النظر في فهمنا للتشريع. هناك أزمة كبيرة تعيشها المجتمعات المسلمة، دون أن تشعر بحجمها، ولعلها لا تريد تحمل المسؤولية في مواجهتها، مكتفيةً بالقول إن كل ما يحدث من تطرف لا علاقة له بالإسلام، بينما هناك من مهّد الطريق للتشوهات الكبيرة التي تصيب الدين، وذلك بصمتهم على دكاكين الإفتاء التي ترعاها مجموعة من المجانين يريدون تعليمنا أصول الدين. وقد فتحت الفضائيات شاشاتها لهؤلاء ليبثوا غثهم، ثم هناك من يأتي اليوم ليصيح رافضاً لهؤلاء.. لكن الجرح غائر وعلاجه لم يعد بالبساطة التي يعتقد البعض. فصعود التطرف له أسبابه التي تتحمل المجتمعات بعضها، حتى وإن مارست رقصة الرفض العالمية.