أقامت كافة تنظيمات وجماعات «الإسلام السياسي» طروحاتها الإعلامية على فكرتين رئيسيتين: الأولى تمجيد «الخلافة الإسلامية» والسعي لإعادة إحيائها وإقامتها والدفاع عنها في مواجهة منتقديها، لذلك وجدنا على امتداد نصف القرن الماضي، حركة نشطة في تأليف الكتب التي تدافع عن «الخلافة العثمانية» بحماسة شديدة وترد على المنتقدين الذين رأوا في هذه الخلافة، عاملاً رئيسياً في تخلف أوضاع المسلمين وتعويق نهضتهم ولحاقهم بالأمم المزدهرة. والحقيقة، وكما يقول الكاتب السعودي مشاري الذايدي، إن هذه الحماسة للخلافة من قبل تيارات الإسلام السياسي، ما هي إلا مجرد «ردة فعل» لسقوط الخلافة العثمانية عام 1924، من جهة، ومن جهة أخرى هي استجابة انفعالية لدعاية السلطان عبد الحميد، التي استمرت قرابة 30 عاماً، تحت عنوان «الجامعة الإسلامية»، وكانت محور صراعه السياسي مع جمعية «الاتحاد والترقي» التركية التي أنهت الخلافة. ومن هنا دخل العامل الديني في الصراع السياسي بين الإسلاميين والقوميين الداعين للفكرة القومية مقابل فكرة الخلافة الإسلامية. اليوم، وبعد 90 سنة من سقوط الخلافة، يعجب المرء كثيراً لحماسة هؤلاء لفكرة الخلافة وتشبثهم بها، ورؤيتهم لها باعتبارها الحل المنشود لتردي أوضاع المسلمين، مع أن هذه الخلافة، وعلى امتداد 14 قرناً -كما يقول سليمان فياض في كتابه «الوجه الآخر للخلافة»- كان تاريخها منذ معاوية وحتى سقوطها عام 1924 تاريخاً من القمع والقهر والمحن. كان الخلفاء يضعون على وجوههم أقنعة الدين ويستخدمون شعاراته لإخضاع البلاد والعباد، ويهدمون يومياً مقاصد الدين في العدل والحرية والإخاء والمساواة. إن أعظم دروس التاريخ التي لا تريد هذه التنظيمات الإفادة منها، تقول إن «تسييس الدين» هو الآفة الخطيرة والمعوقة للتنمية والتحديث والتقدم وتكوين الدولة المدنية الحديثة. أما الفكرة الثانية فهي دعوى أن «الإسلام السياسي» يمثل تيار «الإسلام الوسطي المعتدل» بين تيارين متطرفين، تطرف الفكر التكفيري وتطرف الفكر العلماني الليبرالي. واستطاع «لوبي» الإسلام السياسي في الغرب إقناع الحكومات الغربية والإدارة الأميركية في الفترة السابقة على «الربيع العربي» بهذه الفكرة، وأنهم يمثلون «الإسلام المعتدل» الذي يحظى بقبول الشعوب العربية والإسلامية، وأنهم القادرون على كبح جماح «الإسلام المتشدد» الذي جسدته «القاعدة». ومن هنا وجدنا بعض القبول للفكرة ومساندة هذه الحكومات للإسلام السياسي، والتي مارست ضغوطاً على الدول العربية لإفساح المجال لمشاركة الجماعات الإسلامية في الحكم. والأدهى من ذلك أن هذا «اللوبي» استطاع استمالة الحكومات الغربية والإدارة الأميركية لدعم الإسلام السياسي، عبر إقناعها بنظرية تزعم أن «ظهور الإرهاب، سببه الأساسي، تضييق الحكومات العربية على المعتدلين الإسلاميين»، وهي نظرية، طالما رددها المنتمون لهذه الجماعات -كما يذكر عبد الرحمن الراشد- حتى اقتنعت هذه الحكومات بها لفترة من الزمن. فهل هذه النظرية صحيحة؟! وهل الإرهاب سببه التضييق على الجماعات الإسلامية «المعتدلة»؟! وهل إشراك المعتدلين في الحكم يطرد المتطرفين ويحمي المجتمع من الإرهاب؟! يقول الراشد في مقاله القيم «نظرية الإرهاب والتضييق على المعتدلين»، ليس لهذه النظرية، براهين -على الأقل- في مساحتنا العربية لـ3 أسباب: الأول أن مفهوم الإسلاميين للمشاركة في الحكم، يعني «احتكار السلطة» بخلاف إسلاميي تركيا وإندونيسيا الذين يحكمون في نظم علمانية. والثاني أن الممارسات العملية لمعظم الأحزاب الدينية العربية، في الحكم، أثبتت أنها جماعات إقصائية رغم حديثها عن «الاعتدال» و«التعايش». أما السبب الثالث فهو أن تجارب وصول الإسلاميين للحكم، فندت خرافة كبحهم للتطرف وحمايتهم للمجتمع من الإرهاب، إذ من المشاهد أن الإرهاب ازداد انتشاراً عقب وصول الإسلاميين للحكم، فقطاع غزة يعاني من أنشطة متطرفة تكفر «حماس» وتدعو لقتالها، وقد ازداد النشاط التكفيري في السودان، وفي مصر ازداد الإرهابيون وحشية عقب وصول «الإخوان». وختاماً، نصل إلى 4 أوهام للإسلام السياسي: 1- وهم إعادة الخلافة. 2- وهم أن الإسلام السياسي أقل ديكتاتورية. 3- وهم مقولة أن التضييق على الإسلاميين يمثل سبباً للإرهاب. 4- وهم أن إشراك الإسلاميين في الحكم يحمي المجتمع من التطرف.