توحي لي خبرتي كوزير للدفاع إبّان أزمة الرهائن الأميركيين في إيران قبل أكثر من ثلاثة عقود، بأن طهران ستتحايل على بنود الصفقة النووية. ومما يدعم صحة تحذيري هذا، مشاركتي في المفاوضات المتعلقة بانتشار الأسلحة النووية مع الاتحاد السوفييتي السابق من عام 1958 وحتى توقيع اتفاقية «سالت 2» في السبعينيات، وهي الفترة الأكثر خطورة من زمن الحرب الباردة. والآن، يمكن للولايات المتحدة أن تقبل أو ترفض الصفقة، ولهذا السبب، دعونا نناقش إيجابياتها وسلبياتها. أثناء انعقاد جلسات التفاوض، توقفت إيران عن تطوير برنامجها النووي بعد أن كانت على بعد عامين من حيازة السلاح النووي. وهذه مشكلة بالغة تتطلب اهتماماً خاصاً وسريعاً. وذلك لأن حيازة إيران للأسلحة النووية ستمثل دافعاً قوياً لا يمكن للقوى الإقليمية مقاومته لامتلاك سلاح مشابه، وبما يؤدي إلى تصعيد النزاعات في الشرق الأوسط والخليج العربي. ويقول المدافعون عن الصفقة إنها محكومة بقوة الإشراف الفعّال والمراقبة الكافية للوقوف على مدى رغبة إيران بالالتزام ببنودها. ويتخوف معارضوها من احتمالات خطيرة أخرى بما فيها إصرار إيران على تنفيذ برنامجها لتطوير الصواريخ البالستية، وسوء سلوكها في العراق وسوريا وأماكن أخرى، ودعمها للإرهاب، وتهديداتها المتكررة بشن هجمات ساحقة على إسرائيل. وعلى الرغم من صحة هذه الأحكام، إلا أن المهمة الأكثر استعجالاً تتعلق بمحاولة منع إيران من امتلاك الأسلحة النووية قبل حلول عام 2017. فإما أن تتمسك الولايات المتحدة بالاتفاقية التي سبق أن صادقت عليها كل الأطراف المشاركة في المفاوضات بشكل مبدئي، أو أن يرفض الكونجرس الصفقة. ولو تم الالتزام ببنود الاتفاقية بشكل فعلي، فسيتعين على إيران التوقف عن تخصيب اليورانيوم، أو تصدير ما قامت بتخصيبه منه بالفعل إلى الخارج وبحيث لا يبقى لديها منه ما يكفي لصنع الأسلحة النووية. كما أن الصفقة تحرم إيران من القدرة على تخصيب اليورانيوم الكافي لصنع الأسلحة النووية لمدة تتراوح بين 10 و15 عاماً. وفي هذه الحالة، يتحتم عليها إعادة تأهيل مفاعلاتها النووية وتعديل تركيبها إلى الوضع الذي لا يسمح باستخدام البلوتونيوم في صناعة الأسلحة النووية. ولو قررت التنصل من الاتفاقية، فستكون على بعد بضعة أشهر، وربما عام كامل، عن إنتاج ما يكفي من اليورانيوم المخصّب لصنع الأسلحة النووية. والسؤال المهم هنا: إلى أي مدى يمكن التحقق من هذه الأمور؟ وبصفتي فيزيائياً ومديراً سابقاً للمختبر النووي، وكمسؤول حكومي شارك في مفاوضات حظر انتشار الأسلحة النووية أيام الحرب الباردة، يمكنني القول إن حظوظ الكشف المبكّر عن الخروقات الإيرانية لبنود الاتفاقية عالية جداً. ويضاف إلى ذلك أن العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على إيران يمكن إعادة تطبيقها عليها من جديد إذا لم تلتزم بتطبيق الاتفاقية. وسيكون التفتيش الصارم والتعاون الصادق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من الشروط الأساسية للتأكد من التزام إيران ببنود الصفقة. وستبقي الولايات المتحدة على عقوباتها المفروضة عليها حتى لو تم التصديق على الاتفاقية بسبب نشاطاتها الإرهابية. فهل ستخفّض الصفقة من الضغوط المسلطة على إيران بسبب رفع الحظر عن أصولها المالية المجمّدة التي تقدر بمليارات الدولارات؟ بالطبع سيحدث هذا، ولكن هذه هي طبيعة الصفقة التي يتحتم على المعارضين قبولها بشيء من الموضوعية. صحيح أنه كان في وسعنا التوصل إلى صفقة أفضل، إلا أن حظوظ موافقة إيران على توقيعها معدومة تماماً. ولو انتهت المداولات التشريعية في الكونجرس إلى رفض التزام الولايات المتحدة بالصفقة، فإن من الأرجح أن يؤدي ذلك إلى دفع إيران للعمل بكل طاقتها لتطوير برنامجها لصنع الأسلحة النووية. وتتفق معظم آراء الخبراء على أنها ستمتلك الأسلحة النووية خلال عامين. وهل ثمة طريقة أخرى لتأخير الوقت الذي ستصبح فيه إيران قادرة على صنع الأسلحة النووية؟ بالطبع لا. وحتى أولئك الذين يرفضون الحرب، يقولون إن البديل للصفقة هو الغزو العسكري. كما أن الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية باستخدام القوات الخاصة يمكن أن يكون محفوفاً بالمخاطر وفقاً للخبرة التي أحتكم إليها أكثر من غيري، وخاصة لو أخذنا بعين الاعتبار التوزيع المتباعد لتلك المنشآت عن بعضها بعضاً، وربما تكون نتائج الهجوم كارثية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»