أثارت أنباء تخفيض قيمة «اليوان» الصيني، انتباه كثيرين في أنحاء العالم لأنه مؤشر أولي إلى انخفاض معدل نمو الناتج القومي.. ولكن على رغم عدم صلتي بالمسائل الاقتصادية الفنية، فقد اندهشت أيضاً من زاوية أخرى في الأخبار، هي الإعلان المتكرر لأجهزة الإعلام الصينية عن الأبعاد «العالمية» لـ«الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وجناحه البحري»، الذي يجري الحديث حول بلوغ مخصصاته للتنمية 2,5 تريليون دولار وفق تصريح للرئيس الصيني مؤخراً! والحديث عن هذا المشروع الذي تطوق به الصين العالم كله شمالاً وجنوباً استمر طوال العامين الأخيرين، مرة بسبب الهجوم الاقتصادي بالمشروع في وسط آسيا، وأخرى عن طريق السكك الحديدية في شمال أوروبا، مروراً بالمجر وحتى شبه جزيرة أيبيريا، وثالثة عن المرور بإيران حتى غرب آسيا، ورابعة عن الوصول للخليج، والقرن الأفريقي عبر البحار والمحيطات، للوصول ثانية إلى المتوسط وجنوب أوروبا! وليس ذلك كله من باب أضغاث الأحلام، ولكن ثمة اتفاقيات وقعت مع حوالي خمسين دولة، واتفاقاً على مشاريع الترتيبات وصل إلى أكثر من 160 مليار دولار! نحن إذن أمام مارد ضخم، ليس سهلاً تصوره في حالة ضعف تستدعي تخفيض العملة أو الإنفاق، إلا إذا كان المارد يختبر آلية جديدة للتعامل مع العالم الذي يحاول تطويقه، فضلا عن حديث آخر عن محاولة فرض «اليوان» الصيني كعملة دولية بما وراءها من أسواق ناتجة عن سيولة التجارة بعد التخفيض. وما يهمنا هنا هو تساؤل فلسفي عما إذا كانت العولمة قد بدأت تكتشف طريقاً آخر غير الهيمنة السياسية والعسكرية لدول «الناتو» ومن لف لفها؟ أم أنها تغوص في اقتصادات جديدة، ما زالت تعزف لحن الاقتصادوية الصينية دون انشغال بهيمنات أخرى؟ أم أن الصين تقترب من عام «العشرين» مبكراً وقد كان حديث الصينيين دائماً إجابة لأي تساؤل سياسي، بأن ننتظر حتى 2020 لنسمع منهم الجديد... وها قد بدأنا نسمع! وقد سمعت من وفد شعبي صيني، حضرت استضافته من قبل منظمة التضامن الأفريقي الآسيوي مؤخراً، أنهم يريدون «كل الخير، لجميع الناس». وأنهم بالفعل رسل سلام واستقرار. وإلى جانب تخصيص 50 ملياراً من قبل مساعدات وديوناً لأفريقيا، فقد خصصوا أيضاً 40 ملياراً لصندوق «طريق الحرير»! ولأننا في مصر نعيش فرحة قناة السويس الجديدة، فقد اتجه التفكير، والنقاش أحياناً، إلى هذه القضية، وهل تعني خطوط «الحزام الحريرية» من وسط آسيا لأوروبا، أو إلى القرن الأفريقي، تأثيراً سلبياً على القناة؟ أم أن المجيء إلى المحيط الهندي جنوباً سيتبعه بالضرورة الصعود إلى السويس؟ وقادني الهاجس، لأقترح على الوفد الصيني «التفكير» في أنهم من القرن الأفريقي، سيكونون إذن في قلب حوض النيل ومنظمة «كوميسا» واسعة النطاق، بل والمنظمات الإقليمية جنوب ذلك الخط في شرق وجنوبي أفريقيا، وهو بدوره خط «كيب- كايرو». فهم هنا إذن أمام حجم مصر كله، وليس أمام القناة وحدها. قلت ذلك ولا أخفي خوفي من تهديد أي من هذه «الخطوط الحريرية» للقناة الجديدة.. وكالعادة لا يجيب الصينيون حيث يجيدون الاستماع! وقد شجعني صمتهم على التفكير الصامت بدوري، حول اهتمام «حزامهم الحريري» بوسط آسيا وتوقيع اتفاقيات مع إيران في حدود 20 مليار دولار في استثمارات الطاقة.. وغير ذلك من تطور سيفرضه رفع المقاطعة الغربية على إيران.. وعين الصين في الوقت نفسه على دول الخليج. وإذن فقد نكون أمام مساعي توسع إيراني، برفقة صديق ذي وضع جديد، فهل ستكتفي طهران بالاستفادة من ذلك في وسط آسيا أساساً، لتلعب أمام التنافس الصيني الروسي الذي يظهر بدوره بسبب خطة الروس لإقامة تكتل أورو-آسيوي، أم أنها ستلعب في اتجاه ساحات الشرق الأوسط وغرب آسيا والخليج.. بنفس روح «كل الخير.. لكل الناس»! التي عبر عنها الوفد الشعبي الصيني؟ والمسألة تتعلق، كما قلت، بعولمة جديدة.. لابد أن نستكشف فيها روح الصين الجديدة، وطبيعة الحزام الذي ستطوق به العالم.