عندما تحتل دولة إسلامية أراضي عربية تمثل أضعاف المساحات من الأراضي المحتلة في فلسطين فكيف يكون الحوار بيننا مثمراً، وهناك حكومات يعلن رجالاتها كل صباح ومساء أنها تستهدف أراضينا وتعتبرها امتداداً طبيعياً لإمبراطوريتها ضمن دائرة أطماع حقيقية، وهي تتدخل في الشؤون الداخلية لمعظم الحكومات والأراضي التي تجد لها فيها موضع قدم. وما في جعبة الساحرة السياسية في المنطقة أكثر بكثير من مجرد مناصرة إخوة السلاح الروحي وحماية مصالحها الحيوية وهي تشاهد واقعاً يتحقق بخطوات ثابتة في ما يخص مشروع تقسيم العالم العربي إلى دويلات، وقد يصل عدد الدول المقسمة في خمس دول حالية فقط إلى 14 دولة وفق المخطط له خلاف ما يعتقده المتفائلون بأنها سحابة صيف ستمضي بسلام! وفي ما يخص مصطلح «الشرق الأوسط الجديد» فقد أطل بوجهه على العالم في يونيو 2006 في تل أبيب من قبل وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك كوندوليزا رايس، وتزامن هذا التحول في عبارات السياسة الخارجية الأنجلو أميركية-إسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط في مشروع يعتقد أن المقصود به خلق قوس من عدم الاستقرار والفوضى والعنف يمتد من لبنان وفلسطين وسوريا إلى العراق والأردن ومصر والخليج العربي وايران، على أن تحدد نقاط الحدود والمنافذ الحيوية كاليمن على سبيل المثال لتكون نقاط ضغط لإعادة تنظيم الشرق الأوسط كله وبالتالي إطلاق العنان لقوى «فوضى الهدم من أجل البناء» وهي قوى لا تتردد في أن تستخدم ظروف العنف والحروب في جميع أنحاء المنطقة لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وفقاً لاحتياجات وأهداف جيو-استراتيجية، وليس كما يشاع إعلامياً دفاعاً عن الظلم وحقوق الإنسان وحماية القيم الديمقراطية أو نشرها في المنطقة. وتلك الخرائط للشرق الأوسط الجديد بالرغم من أنها لا تعكس رسمياً العقيدة العسكرية للدول العظمى، غير أنه يعتقد أنها تستخدم في البرامج التدريبية لكليات الدفاع لديهم والأحلاف العسكرية التي تجمعهم. ولا يخفى على أحد أن الشرق الأوسط المعاصر في صراعات من الواضح أنها نتيجة لتداخل الأجندات الخارجية وطمع وجشع بعض القوى الإقليمية والداخلية التي تحلم بالقيادة والزعامة الحصرية والتوظيف المشخصن للمذهب الديني والمكسب الاقتصادي مما يضع الشعوب في بعض تلك الدول في المقاعد الخلفية ليقودها بسرعة جنونية سائق متهور لا يحسب حساباً لوحدة المصير المشترك والمصالح العامة لشعوب المنطقة التي ترغب في السلام والاستقرار والتقدم، ولاسيما أن أكبر المشاكل التي تواجهها المنطقة صعود قيادات وتنظيمات سياسية تدير ولا تقود دولها وتغيب عنها آليات وخبرة صنع القرارات الحاسمة في الأوقات المناسبة، وتتردد في تحديد موقفها في خط مسار تحديد مصير هذه المنطقة والاستعداد في التضحية بالأرواح والأموال بهدف واضح لمنع قوى الفوضى من السيطرة على زمام الأمور في دول المنطقة، وبالتالي تكون المنطقة بالمجمل غير مستقرة وغير آمنة للعيش بسلام، وتصبح لقمة سائغة لتلك الفوضى العارمة. والمختلف في الشرق الأوسط عن باقي مناطق الصراع في العالم أن الخلاف هنا بين ثقافات وحضارات متنوعة وليس مسألة إثنية وعرقية ودينية فقط، ناهيك أنه لا يوجد توازن في ميزان القوى لميل القوى الكبرى لترجيح كفة على الأخرى ضاربة بمصلحة المنطقة ككل عرض الحائط حتى وصل الأمر أن تصبح المشاكل الداخلية في المنطقة خارج حدود السيطرة. ويبدو أن تقسيم المقسّم سيكون خياراً حتمياً في ما هو قادم من سنوات وتعزيز خريطة الطريق الأنجلو-أميركية في الشرق الأوسط ووسط آسيا، ولهذا نرى كيف يعمل الآخرون على حدوث فراغ في السلطة في دول المنطقة لإعادة رسم وتقسيم الشرق الأوسط من شواطئ البحر الأبيض المتوسط ??الشرقية إلى الأناضول والخليج العربي والهضبة الإيرانية لتحقيق أهداف اقتصادية واستراتيجية وعسكرية واسعة النطاق. وعليه لا يمكن الالتفات للخلف في هذا التوقيت من تاريخ الأمة وخاصة في الدول المنكوبة بزلزال «الربيع العربي»، ولابد من وقفة حازمة وتقبل الخسائر مهما كانت جسيمة والمضي قدماً بثبات مقابل تأمين العودة لأحضان مشروع توحيد الأمة الذي يبقى الملاذ الأخير لشعوب المنطقة إذا ما توحدت الرؤية وأعلن موقف جماعي رسمي يتبعه فعل حازم في وجه تفريق الشمل وزعزعة الاستقرار على يد بعض القيادات والجماعات فيها.