العمليات الإرهابية التي شهدتها السعودية منذ مسجد الدالوة حتى مسجد قوات الطوارئ في عسير، استهدفت فئتين: الشيعة، ورجال الأمن، أما الشيعة لإحداث شرخ وانقسام واحتراب طائفي داخل الوطن، وأما رجال الأمن فلأن أي اختلال في الأمن هو مكسب للتنظيمات الإرهابية. صحيح أنه عند تنظيم «داعش» ومنظريه مسوغاتهم التي يروجون لها كمبررات «شرعية» يعلنونها لاستباحة دماء هاتين الفئتين وغيرهما، ولكن هذا التبرير هو إحدى وسائل التجنيد والتأثير في السعوديين. فاستهداف الأعداء في المساجد ليس جديداً، بل هو قديم بقدم الإسلام، وحديثاً فالعراق بعد الاحتلال الأميركي، عاش مثل هذه العمليات ولا زال، وفي باكستان لا تتوقف التفجيرات التي تستهدف مساجد الشيعة، وإذن فحادثة عسير ليست ضمن سياق استهداف السُّنة بدلاً من الشيعة وليست تغييراً في الأهداف. فالأساس هو الأهداف السياسية التي يسعى التنظيم عبر انتحارييه إلى تحقيقها، وهذه العمليات هي وسائل للوصول إلى الأهداف، الوسائل متنوعة، ويأتي بعدها التبرير المستند على الفقه، على وقائع تاريخية، حدثت في فترات من تاريخ المسلمين، سواء نسبت إلى من يمثلون مرجعية دينية للمذاهب السنية، أو لعالم دين يمثل مرجعية لمدرسة أو فرقة. جاء استهداف المسجد لضرب رجال الأمن في العملية الأخيرة لأن الوصول إلى المصلين سهل المنال، فالمساجد لا يمكن حراستها بالأسلحة من المسلمين أنفسهم وبين ظهرانيهم، المسجد هو الملاذ الذي يجد المسلم فيه الطمأنينة والسكون، فالأمر كما قال المرحوم الأمير نايف بن عبدالعزيز فترة توليه وزارة الداخلية بعد احتلال المسجد الحرام من قبل جهيمان وجماعته، جواباً على من تساءل بأنه كان لديكم معلومات عن مخطط لما حصل، فأجاب «كيف نحمي بيت الله من المسلمين بالسلاح!». وعودة إلى التاريخ، فالكشف عن خلية شقة الخالدية عام 2003 في مكة المكرمة، جاء ضمن هذا السياق، ولنتذكر أن الموقوفين كانوا محسوبين على «القاعدة»، حيث إن 80 من الشبان واليافعين منهم سعوديون وأفارقة تشاديون وغيرهم فخخوا مصاحف لتفجيرها في الطائفين والقائمين والركع السجود. وهذا قبل أن تخلق «داعش» في العراق، ولكن هل «داعش» شيء آخر غير «القاعدة»؟ الجواب هو: لا. فهم يتناسلون، ومعظم ما نراه هو انشقاقات داخلية نابعة في الأغلب من أهواء شخصية تعصف بقياداتهم، ومطامح تجعلهم يتنافسون للحصول على نصيب الأسد من المجندين والأتباع، بالإضافة إلى أيادي المخابرات الإقليمية والدولية في ذلك. إن تنظيم «داعش» يعتمد إثارة الرعب وخلق الشعور لدى أعدائه بأنه نافذ ومتغلغل ويمكنه الوصول إلى أهدافه، وقادر على خلق الفوضى التي يمكنه من خلالها العمل، مطوعاً النصوص والتراث الفقهي، والمظالم أحياناً وشعور التهميش، لاقتناص المتعاطفين ولهدف التجنيد. ومن الواضح من تطور الأحداث ونتائج ما نراه من حرب دولية على الإرهاب أن الأمر سيطول، ولكن لا مناص من الحسم والقوة والضرب بيد من حديد، وتعزيز مفهوم الدولة، وحماية الناشئة، وتعزيز اللحمة الوطنية، والتحالف مع كل قوى العالم ضد هذا التنظيم الخبيث. ويأتي ضمن هذا السياق السعي لترسيخ تدين أكثر إنسانية وبهجة وتصالحاً مع العالم والطوائف والديانات الأخرى. كما أنه لا يمكن البتة نجاح أي معالجة دينية وفكرية لتعاليم التنظيمات الإرهابية من دون ملامسة أكثر المسائل حساسية، وهي المتعلقة باختيار الدين، والمذهب، كما أن الخلط بين النقد الفلسفي والفكري للديانات وبين الإساءة إليها، وجعل الأمرين سواء، سيترتب عليه في المقابل قمع للحريات الفكرية ومحاكمات وتحريض ضد المختلف، ومن هنا وجد التطرف والإرهاب طريقه وأتباعه وضرب أطنابه في العالم الإسلامي. ومن هنا يجد كل تجار الدين مداخلهم لإفساد الناشئة وتدمير السلم في المجتمعات.