ما أن تم التوصل إلى اتفاق بين إيران ومجموعة 5+1 حتى بدأ تهافت الشركات الأجنبية على إيران سعياً إلى الحصول على النصيب الأكبر من سوقها الواعد. والحقيقة أن ذلك التهافت لم يكن وليد لحظة ذلك اليوم الذي عاد فيه الفريق الإيراني من فيينا ظافراً باتفاق العمل المشترك، بل إن التحركات التي بدت تلوح في أفق الساحة الاقتصادية، وصاحبها انفتاح سياسي بدرجة أقل، تعود إلى نوفمبر 2013 حين تم التوصل إلى الاتفاق المؤقت بين إيران ومجموعة 5+1 بشأن برنامجها النووي. ويأتي السؤال هنا: أين مكمن الفرق بين الزيارات التي سبقت الاتفاق النهائي، والتي أتت وستأتي بعده؟ نسير مع القارئ في هذا المقال لنسلط الضوء على أهم تلك الزيارات، وكيف كانت ممهدة لما نراه الآن وسنراه مستقبلاً في ظل التزام أطراف الاتفاق به. بعد التوصل إلى الاتفاق المؤقت في نوفمبر 2013 يلاحظ المتتبع للشأن الإيراني سلسلة من الزيارات الاقتصادية من العديد الدول في توجه واضح للاستثمار في هذه السوق الواعدة. ففي ديسمبر وصل وفد يضم 10 من كبرى الشركات النمساوية لدراسة تطوير التعاون التجاري مع إيران في حالة إلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها. وفي الشهر نفسه توجه وفد تجاري صيني إلى طهران يضم نحو 100 شخصية، وعقد بموجب هذه الزيارة اتفاقية مقاولات بين إيران والصين بقيمة 20 مليار دولار. كما شهدت إيران زيارة وفد كرواتي يضم 20 من كبار رجال الأعمال والاقتصاد. وفي مقابل الـ100 شخصية التي ضمتها الوفد الصيني، استقبلت إيران أيضاً وفداً فرنسياً مكوناً من 100 ممثل لكبرى الشركات الفرنسية ولا سيما شركة «بيجو» للسيارات التي تتلاقى مع إيران في مشاريع مهمة في قطاع السيارات. وكذلك الحال بالنسبة إلى ألمانيا، التي أرسلت بدورها وفداً تجارياً لإيران وبحث الفرص المتاحة اقتصادياً. كما وصل في مايو وفد من سلوفينيا مؤلف من 30 شخصاً يمثلون الشركات الاقتصادية في مجالات الطاقة والمصارف والكهرباء والاتصالات والزراعة وباقي المجالات الأخرى. ومن الخطوات المهمة التي قامت بها إيران مع الوصول إلى الاتفاق المؤقت، توقيع مذكرة تفاهم اقتصادية بمبلغ 70 مليار يورو بين إيران وروسيا في الاجتماع الحادي عشر للجنة الاقتصادية المشتركة بين البلدين. وتصديقاً لما تقدم أعلن مير أبوطالب بدري وكيل هيئة تنمية التجارة لشؤون التسويق والعلاقات أن إيران شهدت في الفترة الماضية لعام 2015 نمواً في حركة تدفق الوفود التجارية بنسبة 133% مقارنة بالعام الماضي، وكذلك ارتفاعاً في عدد الدول القادمة منها الوفود التجارية بنسبة 50%، وفي عدد أعضاء الوفود بنسبة 30%. ومما تقدم يتضح أن هناك تعطشاً من قبل الشركات والقطاعات الاقتصادية الأجنبية للاستثمار في إيران، الأمر الذي يشكل بدوره عامل ضغط على حكوماتها لتسهيل إمكانية الحصول على امتيازات واستثمارات في هذه السوق. وتأسيساً على ذلك لم تقتصر تلك الزيارات على شقها الاقتصادي، بل كان للوفود البرلمانية، ومنها البريطانية والفرنسية وغيرها، حضورها الملموس ناهيك عن زيارات رئاسية وأخرى على مستوى الوزراء. ونعود لسؤالنا هنا المتمثل في مكمن الفرق بين هذه الزيارات والزيارات التالية للاتفاق النهائي في يوليو الماضي. ويمكن القول هنا إن جميع الزيارات السابقة وحتى الآن ما زالت ترتهن بمدى الالتزام الإيراني لحين وصول تقرير الوكالة الدولية بمدى التزام إيران، وبالتالي البدء في رفع العقوبات المفروضة عليها تباعاً. والزيارات اللاحقة والمباشرة بعد توقيع الاتفاق النهائي تبرز مدى اهتمام تلك الدول وأثر الاقتصاد في سياساتها، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال رفع مستوى التمثيل السياسي لتلك الزيارات، فالزيارة الألمانية والفرنسية والإيطالية ومن الاتحاد الأوروبي نموذج على ذلك، والقادم أكثر، ما يشكل بدوره أداة قوية للنظام الإيراني لمواجهة أي خطوات لفرض عقوبات جديدة عليه في المستقبل.