أتى تحرير أسعار الوقود من منطلق حرص دولة الإمارات العربية المتحدة على التطوير المستمر لمنظومتها الاقتصادية ونهجها التنموي، بما يتناسب مع مستجدات الأوضاع العالمية، والشروط والمتطلبات اللازمة لتمكين المجتمع الإماراتي من المضي قُدُماً على طريق التنمية والتطور، وقد انطوى القرار على أهمية بالغة وحمل العديد من الدلالات والمعاني، لاسيما في ظل الأوضاع الاقتصادية التي يمرّ بها العالم في الوقت الراهن، وقد دل على ذلك، إلى حدٍّ بعيد، ما أعرب عنه «البنك الدولي» بشأن هذا القرار، وتأكيده على أنه يُعَدُّ خطوة إصلاحية مهمة لتعزيز النمو الاقتصادي في دولة الإمارات العربية المتحدة. واستكمالاً لهذه الخطوات فقد أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة، مؤخراً، ممثلة في شركة «أدنوك للتوزيع»، عزمها إنشاء 48 محطة جديدة لتزويد المركبات بالغاز الطبيعي، وذلك في إطار خطة توسعية تتبنّاها الشركة، خلال الفترة ما بين عامي 2015 و2020. وهذه الخطة بطبيعة الحال، تأتي ضمن استراتيجية طويلة الأجل تتبعها دولة الإمارات العربية المتحدة، من أجل تنويع بدائل الوقود المتاحة في الأسواق المحلية، والتوسع في استخدام أنواع الوقود النظيفة والآمنة من الناحيتين البيئية والمناخية، وفي هذا السياق، فإنها قد عمدت إلى إنشاء العديد من محطات تزويد المركبات بالغاز الطبيعي منذ فترة طويلة، إذ يصل عدد هذه المحطات حالياً، وفق شركة «أدنوك للتوزيع»، إلى 22 محطة موزعة على المناطق المختلفة في الدولة. وإلى جانب ذلك وفرت الدولة خدمات تحويل السيارات من نظام التشغيل المعتمد على وقود البنزين والمحروقات التقليدية إلى أنظمة جديدة تعتمد على الغاز الطبيعي. هذه الخطوات لها العديد من الأبعاد التنموية، خاصة فيما يتعلق بتنويع مصادر الطاقة، والتوسع في استخدام بدائل الطاقة الصديقة للبيئة، من أجل تخفيف حدة تلوث الهواء، وتقليص نسب انبعاث ثاني أكسيد الكربون في الجو، بما ينطوي عليه ذلك من أهمية اقتصادية وصحية بالنسبة للمجتمع. وفي الوقت ذاته فإن هذه الخطوة تنطوي على أهمية كبيرة فيما يتعلق بقيام الدولة بتبنّي الآليات الكفيلة بتخفيض آثار ارتفاع أسعار وقود البنزين على ميزانية الأسرة في المجتمع الإماراتي، وذلك بعد تحرير هذه الأسعار، لاسيما أن وقود الغاز الطبيعي غير مكلف إذا ما قورن بوقود البنزين. وهذا الأمر ليس ذا أهمية كبيرة بالنسبة لميزانية الأسرة ومستوى المعيشة الخاص بالسكان فقط، لكنه ينطوي في الوقت نفسه على أهمية بالغة بالنسبة إلى حماية الموارد الطبيعية للدولة ومصادر الطاقة المتاحة بها ضد خطر النضوب السريع أيضاً، وبالتالي حماية حقوق الأجيال القادمة في تلك الموارد، التي تُعَدُّ شرطاً ضرورياً من شروط استدامة البيئة والتنمية الشاملة بأبعادها المختلفة. المتتبع للقرارات والمبادرات التي تتخذها دولة الإمارات العربية المتحدة منذ نشأتها يجد أنها تضع نصب أعينها العديد من الاعتبارات، فهي وإن اهتمت بأهداف النمو الاقتصادي والتوسع العمراني والتطور الحضري، فإنها لا تغفل استيفاء الشروط المتعلقة بألا يكون تحقيق هذه الأهداف على حساب الأبعاد البيئية والتنموية الأخرى، وألا تطغى حسابات النمو السريع وتحسين مستويات معيشة الأجيال الحالية على حسابات واعتبارات المحافظة على حقوق الأجيال المستقبلية في الموارد الطبيعية وحمايتها، وهذه الرؤية والنموذج التنموي إنما ينبني على مبادئ أساسية عدة تلتزمها الدولة، قيادة وحكومة، ويأتي مبدأ التوازن على رأس هذه المبادئ، هذا بالإضافة إلى التخطيط السليم والاستعداد الدائم للمستقبل، والمرونة والكفاءة في التعامل مع المستجدات، إلى جانب الاستفادة من الدروس وتراكم الخبرات والتجارة الدولية الناجحة، وهي جميعها مبادئ ستظل معيناً لدولة الإمارات العربية المتحدة للمزيد من النجاح والرقي في المستقبل. عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية