عندما تم الإعلان خلال الأسبوع الماضي عن نتائج دراسة حول حركة الكفاءات والعقول حول العالم، والتي أصدرتها «لينكدإن»، أكبر شبكة للمواهب والكفاءات حول العالم (تضم 380 مليون عضو)، وجاء في الدراسة أن «الإمارات تصدرت عالمياً في استقطاب الكفاءات والمواهب إليها، متقدمةً على دول مثل سنغافورة وسويسرا وكندا»، كتب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، على موقعه في تويتر: «خلق الفرص، وجودة الحياة، والشفافية، والحوكمة الرشيدة، كلها عوامل تساعد في استقطاب أفضل الكفاءات والعقول. الأمم العاقلة هي التي تؤمن بالإنسان وبقيمته وبأفكاره وإبداعاته». وبكل تأكيد فإننا نعيش في دولة استطاعت أن تتجاوز صعاب الوطن العربي وتبني في صحراء العرب واحة خضراء من المنجزات المادية والمعنوية، وكي نحافظ على هذه المنجزات لابد من احترام العقول وتبادل وجهات النظر بكل شفافية حول مجريات الحياة، شريطة عدم وجود أحزاب سرية أو تجمعات محظورة تحت مختلف الشعارات، الإسلامي منها والعلماني. إن ثقافة الحوار مسألة متأصلة في مجتمعنا، ومن يحضر مجالس أصحاب السمو الشيوخ يجد تبادلا للحديث بكل حرية وشفافية، لأن مصلحة الوطن فوق كل اعتبار وما أجملها من كلمات نسمعها في مثل هذه المجالس وغيرها عند ما يقول الحاكم: أشيروا علي أيها الناس، أو ما رأيكم في هذا الأمر! ومع تقدم الدولة في سجل المنجزات تم تطوير ثقافة الحوار عبر المجلس الوطني الذي ينتخب المواطنون نصف أعضائه، وقد شهد هذا المجلس تطوراً خلال دورته الماضية مما نتج عنه إصدار 238 توصية في 66 جلسة خلال الفصل التشريعي الـ15، وسط تجاوب حكومي لافت. فالمجلس الوطني يشمل في عضويته أصحاب الحل والعقد من العقلاء والخبراء، وهو بصدد تجديد أعضائه، وهذا يتطلب من الهيئة الانتخابية حسن الاختيار لأننا في دولة الإمارات مقبلون على تحديات جديدة بحاجة إلى نقاش مستفيض. وإلى جانب المجلس الوطني كنموذج لثقافة الحوار المنهجي المنظم، فإننا في الإمارات كغيرنا من المجتمعات المعاصرة، نؤمن بأهمية مؤسسات المجتمع المدني المختلفة، وهي كثيرة في الدولة، لكن بعضها إما غائب أو لا نكاد نسمع له صوتاً في قضايا الوطن. وعندما تُذكر جمعيات المجتمع المدني يُقصد برأيها المشاركة بخبراتها في مجال تخصصها وإبداء وجهة النظر حول ما يجري على الساحة الوطنية. ومن مؤشرات تخلي هذه الجمعيات عن دورها كونها لا تبدي وجهة نظرها مفضلةً سياسة الصمت غير المقنع، أو مدليةً بخطابات متطابقة مع تصريحات المسؤولين. بيد أن الحوار الناجح الذي تعودنا عليه في دولة الإمارات، هو ذلك الذي يتضمن ثراءً في الآراء والأفكار، حيث تتلاقح وتتكامل لينبثق منها الصواب ويتحدد الاتجاه. المؤشر الآخر على ثقافة الحوار، بعد المجلس الوطني ومؤسسات المجتمع المدني، هو الإعلام بوسائطه المختلفة، من صحافة وإذاعة وتلفزيون. وشخصياً أجد في إذاعاتنا المتنوعة برامج حواريّة بها حرية طرح وشفافية في عرض القضايا أكثر من المقالات التي تكتب في الصحف، وأرقى من بعض البرامج التي تبثها القنوات التلفزيونية أحياناً، وهذا مؤشر يستحق التوقف عنده. ففي العالم المتحضر تجد المقالات الصحفية هي التي تصنع بعض القرارات الكبرى، وفي أجهزة التلفزيون برامج حوارية توضح زوايا وتلقي الضوء على حقائق. عندها نقول إن للإعلام هوية وطنية ورسالة تنموية عندما يكون معزِّزاً لثقافة الحوار التي تسهم في بناء الدار.