يكثف الرئيس الأميركي باراك أوباما إطلالاته الإعلامية، واتصالاته.. لتبرير توقيع الاتفاق النووي مع إيران. معركته الأولى الحقيقية مع بنيامين نتانياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية. وقد استدعته منظمة «إيباك» الصهيونية، مع وفد يرافقه، واستضافتهم في أرقى الفنادق، للاتصال المباشر مع أعضاء الكونغرس الأميركي ومطالبتهم بالتصويت ضد الاتفاق، لأنه سيئ لأميركا ولإسرائيل معاً. أرسل أوباما مندوبين عنه إلى الفنادق المذكورة لاستيعاب الحركة والالتفاف عليها وشرح الموقف. ثم استقبل وفداً من المنظمات اليهودية وقال أمامهم: «إن هذا الاتفاق هو الأفضل، والبديل الذي أنتظره من نتانياهو إثر اعتراضه على الاتفاق لم يصل حتى الآن. وبدون الاتفاق سنكون أمام حرب في المنطقة، والمستهدف هو إسرائيل التي سيوجه إليها الإيرانيون الصواريخ من (حزب الله) وسيضربون دولاً عربية مجاورة وسيحاولون إرسال زوارق مفخخة نحو حاملات طائراتنا في المنطقة». وأضاف مكرراً التزاماته السابقة: «أنا ملتزم بأمن إسرائيل. وخلال رئاستي تكثف التعاون العسكري والاستخباراتي بيننا أكثر من أي وقت مضى»! أما سفيره في تل آبيب، «دان شابيرو»، فقد أخذ على نتانياهو «أننا عرضنا عليه الشروع في محادثات بشأن كيفية زيادة التعاون الأمني بعد الصفقة مع إيران، والبحث في المعلومات الاستخباراتية التي نحتاجها، والاتفاق على الخطوات العسكرية المطلوبة في السنوات العشر المقبلة، وكيف يمكن وقف نقل الأسلحة إلى (حزب الله) والبحث في احتياجات إسرائيل العسكرية لمواجهة خطر الصواريخ». وبمعنى آخر فإن الرئيس وسفيره، قدما لإسرائيل كل الضمانات والحمايات والتطمينات والالتزامات، لكن رئيس حكومتها لم يقبل، فماذا يريد بعد؟! المعركة بين الفريقين حقيقية، وعملية التصويت في الكونجرس عنوان هذه المعركة. قد يمرّ الاتفاق وسيكون ثمنه كبيراً لإسرائيل، وكما ذكرت أكثر من مرة، فإن تل أبيب ليست ضد الاتفاق بالمطلق، وهذا ما أكدته الاستخبارات الإسرائيلية نفسها، والتي اعتبرته جيداً. لكن نتنياهو يريد أكثر! التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي عدداً من النواب الديمقراطيين وحرضهم ضد رئيسهم، في نوع من محاولة ابتزاز الجميع، بحجم خطر إيران وصواريخ «حزب الله» وما شابه! إنه يريد أن يكون شريكاً في أي اتفاق أو خطوة أو صفقة في المنطقة، ودون أن يسأله أحد عما يفعله في فلسطين من قتل وإجرام وعمليات إعدام وسن قوانين ضد الأسرى واقتحامات للمسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي والتوسّع وتهجير الناس من أراضيهم.. وعينه بالتأكيد على الجولان وغور الأردن، كما ذكرنا سابقاً! أما على الجانب الآخر، أي في مخاطبته العرب، فقد اعتبر أوباما أنه من الممكن للاتفاق أن يساعد في توحيد الجهود ضد تنظيم «داعش»، ودعا إيران والسعودية إلى الاعتراف بأن «العداء بينهما مجرد أوهام زائفة» كأي شيء آخر، وأن ما يمثله «داعش» وانهيار سوريا أو اليمن أو غيرهما.. هو أكثر خطراً مما تشعران به من عداء متبادل! أي أن الأولوية ينبغي أن تكون لمواجهة «داعش» وتأسيس الشراكة مع إيران. ويأتي الموقف تنفيذاً لوعد قطعه أوباما لخامنئي إذا ما تم توقيع الاتفاق النووي! أما جون كيري، وزير خارجية أوباما، فأكد في الدوحة الوقوف إلى جانب دول الخليج، وقال: «لقد أعطينا التوجيهات بتسريع عمليات التسليح»، يعني تأكيد ما كان أوباما قد أعلنه بخصوص الدفاع عن الخليج ضد أي اعتداء من الخارج. لا جديد في هذه المواقف. فعندما تكون المشكلة حقيقية بين أميركا وإسرائيل، لن يساير أوباما العرب ولن يتهاون معهم. الأولوية عنده لإسرائيل والالتزام الأول والأخير هو بأمنها وقوتها وتفوقها. وعندما تضع واشنطن إيران على رأس «محور الشر» وتطلق النعوت والاتهامات ضدها وتحاصرها، وتصف إيران أميركا بـ«الشيطان الأكبر» وتهددها، ثم تلتقيان وتدعو أميركا إلى الصلح والوفاق بين العرب وإيران وتكون هي العرّاب.. يتأكد أن هذه العداوة بين «الشر» و«الشيطان» كانت زائفة، وهي اليوم زائلة! وبالتالي يمكن القول من وجهة نظر أوباما إن العداوة بين العرب وإيران «أوهام زائفة»! إنها عملية ابتزاز مفتوحة. المشكلة أنه لا مبادرة لدى العرب، وأنهم كانوا اتكاليين مراهنين على «العالم الحر» و«المتحضّر»، فأصيبوا بخيبة! أميركا حرّضت وكبّرت خطر إيران، ثم اعتبرت الأمر وهماً! كنت مع الحوار العربي الإيراني، ولا أزال، ولم أكن مقتنعاً بأن أميركا هي المصلح والعرّاب الصادق. إنها تبحث عن مصالحها، وكذلك إسرائيل وإيران. علينا أن نعرف مصالحنا وكيف ندافع عنها، ولدينا الكثير من عناصر القوة، لكننا لم نحسن استخدامها. والوهم الكبير هو في الرهان على أميركا ووضع كل الأوراق عندها.