وافقت جمهورية المالديف، وهي دولة صغيرة ذات أهمية استراتيجية تقع في المحيط الهندي، على قانون ينص على السماح للأجانب بتملك الأراضي فيها. وقد أدى هذا القانون إلى إثارة مخاوف لدى الهند التي تخشى أن ينتهي الأمر بالصين، التي تواجه اتهامات باستصلاح أراضٍ في المياه المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، إلى إقامة قواعد في جزر المالديف ذات الموقع الاستراتيجي، والأقرب للهند، من حيث موقعها الجغرافي. ورغم أن المالديف طمأنت الهند بأنها ستعمل على إبقاء المحيط الهندي منطقة منزوعة السلاح، فإن التطور الأخير يعتبر مصدراً جدياً لانزعاج نيودلهي، التي تراقب بقلق تزايد النفوذ الصيني في الجوار، وتخشى أن يؤدي القانون الأخير إلى منح بكين فرصة لتعزيز وجودها البحري في المحيط الهندي. وكان هذا القلق، هو السبب الذي دعا الهند إلى تقديم احتجاج إلى سريلانكا، لسماحها للغواصات الصينية بالرسو في موانئها. ورغم أن الصين قد افتتحت سفارتها في المالديف منذ ثلاث سنوات فقط، فإنها شرعت على الفور في تقديم قروض لحكومة المالديف لبناء عدد من المباني المهمة، ومنها مبنى لوزارة الخارجية. وخلال عام قام الرئيس الصيني شي جين بينج بزيارة تاريخية للجزيرة، كما ازدادت رحلات السياح الصينيين، الذين يشكلون 30 في المئة من إجمالي الزائرين إلى الجزيرة. وتأمل حكومة المالديف من خلال قرارها الأخير الخاص بتمليك الأراضي للأجانب نظير استثمار مليون دولار، وشريطة أن تكون 70 في المئة من مساحة الأرض المشتراة مستصلحة داخل مياه المحيط الهندي، إلى تنويع مصادر دخلها من خلال أنشطة اقتصادية أخرى، بدلا من الاعتماد على السياحة كمصدر وحيد للدخل. كما تأمل في اجتذاب المستثمرين الأجانب إلى المناطق الاقتصادية الخاصة التي أنشأها الرئيس الحالي «عبدالله يمين». وكانت أحزاب المعارضة المالديفية قد أعربت عن قلقها من تحول البلاد إلى ساحة للتنافس على النفوذ بين الصين، والهند، لكن نائب الرئيس «أحمد أديب» حاول أن يهدئ من هذه المخاوف من خلال التأكيد على أن الغرض من هذه الخطوة هو اجتذاب الاستثمارات الأجنبية، وأن بلاده لا تبيع أراضيها لدول أخرى، وإنما لمستثمرين خصوصيين. وقد دقت الخطوة الأخيرة في المالديف أجراس الإنذار في الهند التي تحاول مواجهة الوجود الصيني المتزايد في المحيط الهندي. ففي هذا الإطار قام رئيس وزرائها «ناريندرا مودي» بجولة خارجية أحيطت باهتمام بالغ شملت عدة بلدان مطلة على المحيط الهندي، من سيرلانكا إلى موريشيوس، وكان «مودي» صريحاً خلال زياراته تلك وقد حرص على توصيل رسالة مفادها أن الهند تعمل جاهدة على تأكيد وجودها في المنطقة. والشيء الذي يزيد من احتمالات وقوع اضطرابات في المالديف هو الأزمة السياسية التي ما زالت تواصل اختمارها في هذه الجزيرة ذات الموقع المهم، والتي شهدت مساراً متعثرا نحو الديمقراطية، منذ أن أطيح بالرئيس «محمد نشيد»، وهو أول رئيس منتخب ديمقراطياً للبلاد، في انقلاب عسكري عام 2012. ومنذ ذلك الحين مضت البلاد من أزمة إلى أخرى، حتى عام 2013 عندما نجحت رابع محاولة لإقامة انتخابات حرة. ومن المعروف أن الرئيس الحالي «عبدالله يمين» هو أخ غير شقيق للرئيس السابق مأمون عبد القيوم الذي حكم البلاد لمدة 30 عاماً، ويصفه الكثيرون بأنه كان حاكماً مستبداً. ويشار في هذا السياق إلى أن الشركات الهندية تبدي حذراً بالغاً حيال القيام بإنشاء مشروعات في المالديف، بعد التجربة المريرة لشركة «جي إم آر» للبنية التحتية، والتي كانت قد وقعت مع حكومة البلاد عقداً لإدارة مطارها الدولي، لكن الحكومة المالديفية استردت المطار من سيطرة الشركة، وقالت إن العقد المبرم بينها وبين الشركة لاغ وباطل، ما دفع الشركة للجوء للتحكيم الدولي في سنغافورة، والذي ما زال ينظر في القضية. وتركت المرارة المنجرة عن هذه التجربة أثراً ملحوظاً على رغبة الشركات الهندية في العمل في المالديف، علماً بأن تلك الشركات تخشى كذلك أن تنجر في مرحلة ما للصراعات المريرة القائمة بين الحكومة من ناحية وأحزاب المعارضة من ناحية أخرى. وفي المقابل من ذلك فإن الشركات الصينية التي تأتي للاستثمار في الجزيرة لا تكون محملة بمثل هذا الإرث المرير من التجارب، وإنما عادة ما تكون مدعومة مالياً من قبل خزائن الحكومة الصينية المترعة بالأموال، مما يشجعها على تحمل مخاطر أكبر من تلك التي تبدي الشركات الهندية استعداداً لتحملها. لذلك ليس ثمة شك في أن الاستثمارات الصينية ستتدفق على المالديف. ونظراً لأنه ليس من صالح الهند أن ترى الصين، وهي تقوم بتأكيد وجودها ونفوذها في المنطقة بشكل عام، فإن وجود الصين في فنائها الخلفي (المالديف) يعد سبباً كافياً لإثارة الكثير من القلق لدى نيودلهي.