في كلمة الوداع التي ألقاها أمام جمع من موظفي البيت الأبيض بعد استقالته من منصبه كرئيس للولايات المتحدة في 8 أغسطس 1974، قال ريتشارد نيكسون للحاضرين: «تذكروا دوماً أن الآخرين قد يكرهونكم، لكن هؤلاء الذين يكرهونكم لا يكسبون، إلا عندما تكرهونهم أنتم أيضاً.. وعندها تكتشفون أنكم تدمرون أنفسكم». في الكتاب الشائق والكاشف، «رجل واحد في مواجهة العالم.. مأساة ريتشارد نيكسون»، يحكي المؤلف والصحفي «تيم فاينر» قصة رجل معذب، كان كثيرون يعتبرونه سياسياً عبقرياً، إلى أن شرع في «تدمير نفسه». يعتمد فاينر على عشرات الآلاف من الوثائق الرسمية التي نزعت عنها السرية، وسُمح بنشرها بين 2007 و2014، وهي تكشف أن نيكسون كان ينظر إلى نفسه كرجل دولة يضع على رأس أولوياته إنهاء الحرب الأميركية في فيتنام بطريقة مشرفة، كما كان ينظر إلى السياسة باعتبارها حرباً: فأي شخص يعارضه كان يعتبره عدوه، بما في ذلك المحتجين ضد تلك. كما يكشف المؤلف عن الحدود التي كان نيكسون على استعداد للذهاب إليها لهزيمة أعدائه. كانت استراتيجية نيكسون الكبرى لتحقيق خروج مشرف من فيتنام، تعتمد على إقناع قادة الصين والاتحاد السوفييتي بالضغط على فيتنام الشمالية، لإجبارها على اتباع نهج السلام بدلاً من الحرب. كان نيكسون يؤمن بنفسه إيماناً كبيراً، ويعتقد اعتقاداً جازماً بقدرته على التفوق على الآخرين في المناورة.. لكن عندما فشلت استراتيجيته في تحقيق المرجو منها، وسارت الأمور باتجاه معاكس، قاده الغضب والإحباط إلى أن يتولى بشكل شخصي التحكم في القوة العسكرية الضخمة الموجودة تحت أمرته، معتقداً أن بإمكانه إجبار العدو على الاستسلام من خلال القصف الجوي المتواصل بطائرات ب-52 العملاقة، ونفذ ذلك بوحشية بالغة، لدرجة أن كمية القنابل التي ألقيت على جنوب شرق آسيا آنذاك، تعادل كمية القنابل التي ألقتها طائرات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. لم يكن نيكسون يؤمن بأي أحد آخر، حتى وزرائه ومستشاريه الأقربين، وأصبح يميل على نحو متزايد إلى الكتمان والازدواجية وعدم الاكتراث بآراء المحيطين به، ومثال ذلك قراره الخاص بغزو كامبوديا عام 1970، والذي اتخذه رغم معارضة وزيري الخارجية والدفاع. وأدى هذا الأسلوب، إلى تدهور العلاقة بينه والبنتاجون وأجهزة الاستخبارات، لدرجة أن هيئة الأركان المشتركة كان لديها رجلها الخاص (جاسوسها) داخل البيت الأبيض! ويورد الكاتب تصريحاً لـ «إتش. آر. هالدرمان»، كبير موظفي البيت الأبيض، يقول فيه: «لولا حرب فيتنام، لما كانت هناك ووترجيت». فبعد انتخابات الكونجرس عام 1970، ومع انقسام الأميركيين حول الحرب، شعر نيكسون بأنه وصل إلى نقطة الحضيض في رئاسته، فكرس الكثير من وقته وجهده لمقابلات تتعلق بالاستراتيجية السياسية، أملاً بإعادة انتخابه عام 1972، وهو ما تحقق بالفعل. ولتحقيق هذه الغاية أوعز لبعض رجاله باقتحام المقر الرئيسي للحزب الديمقراطي المنافس، والكائن في فندق «ووتر جيت»، للحصول على أوراق مهمة، كما قام بأنشطة أخرى يجرمها القانون، لهوسه بأي شيء يمكن أن يضر بخصومه. يحفل الكتاب بالعديد من الآراء التي كانت تقال وراء الكواليس، والمتعلقة بمناورات السياسة الخارجية على الخصوص، ويقدم دليلاً ممتازاً لفهم أفضل حول نيكسون كرجل، ولفهم سياسته في فيتنام، وفترة رئاسته، وبدايات فضيحة ووتر جيت التي كانت سبباً في إطاحته أخيراً. سعيد كامل الكتاب:رجل واحد في مواجهة العالم.. مأساة ريتشارد نيكسون المؤلف:تيم فاينر الناشر:هنري هولت آند كومباني تاريخ النشر:2015