جاءت المشاركة من دولة الإمارات العربية المتحدة في حفل افتتاح قناة السويس الجديدة رفيعة المستوى، لتدلل أمام الشعبين المصري والإماراتي على وحدة الأمل والعمل. كانت الإمارات الدولة الوحيدة التي أوفدت شخصيتين قيادتين لتهنئة مصر، هما صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة. وقد انطوت كلمات التهنئة التي وجهها إلى الشعب المصري كل من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، على إحساس كبير بالفرحة لتمكن الشعب والقيادة في مصر من الإعلان عن الانتقال من مرحلة المقاومة للإرهاب في ساحة القتال إلى مرحلة أعلى، وهي مرحلة الإنجازات الكبرى. إن التوافق الاستراتيجي بين الدولتين يتوجه نحو إعادة الاستقرار إلى المنطقة العربية وردم جميع المستنقعات الفكرية والسياسية والاقتصادية التي أعانت قوى الإرهاب في السابق. ولابد هنا من الاعتراف الموضوعي من جانبي، ككاتب وأكاديمي مصري، بأن دولة الإمارات قد سبقت إلى إرساء النموذج المثالي للدولة العربية المأمولة. إنه نموذج الدولة الراعية لمواطنيها والمشغولة بتطوير وجوه الحياة لمواكبة آخر منجزات ركب الحضارة الإنسانية، من ناحية، والتي تعمل من ناحية أخرى على توفير كل مقومات الإشباع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لمواطنيها. إن هذا النموذج المثالي هو ما نسعى إلى تحقيقه في مصر، رغم الاختلافات الكبيرة في حجم القوى البشرية والكثافة السكانية والموارد الطبيعية. لقد علمتنا تجربة «الربيع العربي» الأسود، بكل مآسيها، أن نقطة البداية الصحيحة لإيجاد حالة من الاستقرار ولتجفيف جميع منابع القلق والتوتر والتطرف الفكري، هي خلق نموذج الدولة الراعية لمواطنيها في جميع الجوانب. إن نجاة مصر من الواقع الفوضوي الممزق الذي نراه في دول عربية عدة، مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن، كان بمثابة معجزة ناتجة عن الطبيعة الوطنية للجيش المصري البعيدة عن النعرات العشائرية والطائفية، وعن الموقف الذي اتخذته قيادة الجيش إبان أحداث عام 2013 والذي تمثل في الانحياز إلى مطالب الشعب. إن علينا أن نبني فوق هذا الأساس الذي جسدته بعد ذلك وحدة الشعب والجيش في السعي للتخلص من حكم التطرف الديني، الأساس الذي جسدته تلك الاستجابة الرائعة من جانب الجماهير المصرية لنداء القيادة بتوفير التمويل المطلوب لشق قناة السويس الجديدة. إن حرص القيادة المصرية على إطلاق سلسلة ضخمة من المشروعات التنموية الكبرى يستهدف تعويض سنوات ماضية من الإهمال الذي أدى إلى التوتر الاجتماعي والإنساني وقاد البلاد إلى الثورة. إننا على عتبات تنفيذ مشروع تساهم فيه الإمارات وهو مشروع إنشاء عاصمة مصرية إدارية جديدة، المشروع الذي سيؤدي إلى تحسين الوضع الحضري المكدس والمزدحم في القاهرة. إن الدلالة الرمزية للحضور الإماراتي القوي في حفل افتتاح قناة السويس تؤكد أن العلاقات المتينة التي أرساها الزعيمان العظيمان المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والرئيس محمد أنور السادات خلال معركة أكتوبر الظافرة عام 1973، ما زالت عميقة بعد 42 عاماً على تلك الملحمة العربية الخالدة.