في خطاب القاه في الجامعة الأميركية في واشنطن في الخامس من أغسطس الحالي، قدم الرئيس باراك أوباما مناشدة مؤثرة من أجل دعم الاتفاق، الذي تم التوصل إليه بين إيران ومجموعة (5+1) للحد من القدرات الإيرانية النووية. بكل المقاييس، يمكن القول إن الرئيس قدّم أفضل دفاع عن الاتفاق النووي حتى الآن؛ وهو ما يرجع -جزئياً- لقيامه بتقويض أقوى الحجج المقدمة من جانب المعارضين للاتفاق. بدأ أوباما خطابه بتذكير الحاضرين أنه في عام 1963، وفي نفس المكان الذي يلقي فيه خطابه، وفي ذروة الحرب الباردة بين الغرب والاتحاد السوفييتي آنذاك، رفض الرئيس «جون إف. كنيدي»، في خطاب له، الرأي السائد لدى الصقور الأميركيين في ذلك الوقت، ومؤداه أن الحرب مع الاتحاد السوفييتي حتمية. وبدلا من ذلك، تحدث كنيدي في خطابه عن القيادة الأميركية القادرة، والقائمة على المبادئ، والساعية للسلام «العملي» الذي «يمكن الحصول عليه»، والقائم على «سلسلة من الإجراءات الملموسة، والاتفاقات الفعالة». ومن خلال السير على نهج كيندي، وقيادته الملهمة، تمكنت الإدارات الديمقراطية والجمهورية التي جاءت بعده، من التوصل إلى اتفاقيات الحد من الأسلحة الاستراتجية مع الاتحاد السوفييتي، على الرغم من المعارضة الشرسة من المتشددين في الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة. وقد خصص أوباما معظم خطابه، لإلقاء الضوء على المراحل الطويلة والمعقدة للمفاوضات مع إيران؛ وحقيقة أن الاتفاق -في جوهره- هو عبارة عن اتفاق دولي لا يجوز أن يكون مرتهناً لدى دولة واحدة، أو لدى كونجرس الولايات المتحدة. ووجه الرئيس عبارات قوية لمنتقدي الاتفاق، قائلا إن بعض الأشخاص الذين يعتبرون من أكثر معارضي المفاوضات تصلباً، كانوا هم أكثر الأشخاص الذين دافعوا بحماس منقطع النظير عن شن الحرب على العراق. وأكد أوباما على أن كل دولة من دول العالم التي علقت بشكل علني على الاتفاق، قد أيدته، باستثناء إسرائيل. لكن، وبسبب الروح الحزبية المتطرفة السائدة في واشنطن، «وقبل أن يجف حبر الاتفاق، وقبل أن يقرأه أعضاء الكونجرس، أعلنت أغلبية الجمهوريين معارضتهم الشرسة له». وكان رد الفعل الأبرز من جانب هؤلاء المعارضين هو القول بأن الصفقة سيئة وأن على أميركا «العودة مرة أخرى لطاولة المفاوضات» من أجل التوصل لـ«اتفاق أفضل». لكن، وكما أوضح أوباما، فإن الرأي القائل بأنه في حالة ما إذا تغلب الكونجرس على الرئيس بشأن الاتفاق، فإننا يمكن أن نعيد تشكيل مجموعة 5+1 وإيران والبدء من جديد مرة ثانية، وهو رأي يستحيل تصوره من الناحية الواقعية. وقال الرئيس أيضاً: «إن الشيء المؤكد هو حلفاؤنا الأوثق في أوروبا أو آسيا، وبدرجة أقل الصين وروسيا، لن يوافقوا على تفعيل العقوبات الموجودة حالياً لمدة خمس، أو عشر، أو خمس عشرة سنة، كما يريد الكونجرس الأميركي». ليس هناك شك في أنه إذا ما تخلت الولايات المتحدة عن هذا الاتفاق، فإن نظام العقوبات المتعدد الأطراف سوف يتفكك. ورغم أن الولايات المتحدة تستطيع إبقاء عقوباتها الخاصة ضد إيران كما هي الآن، فإنه ينبغي أن نعرف أن الذي أقنع إيران بالجلوس على طاولة المفاوضات بالدرجة الأولى، ليس العقوبات الأميركية، وإنما العقوبات الدولية. وإذا ما حاولت الولايات المتحدة إجبار أي دولة تريد التجارة مع إيران على عدم القيام بذلك، فإنها ستضطر في هذه الحالة لتطبيق عقوبات ثانوية على بلاد مثل اليابان والصين التي ترغب في استمرار التجارة مع إيران، وهو ما يسيصب الاقتصادين الأميركي والعالمي بأفدح الأضرار. ليس لدى أوباما الكثير من الأوهام فيما يخص قدرة الحجج التي قدمها على إقناع الجمهوريين بتأييد الاتفاق. ومع ذلك فإن ما يأمل فيه هو أن يلتزم عدد كاف من الديمقراطيين بموقفهم الداعم للإدارة، وأن يوفروا عدداً كافياً من الأصوات لمنع الكونجرس من إبطال الفيتو الرئاسي. وإذا ما قام 13 عضواً من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين بالتصويت إلى جانب الأعضاء الجمهوريين لإبطال فيتو الرئيس، فإن أوباما سوف يخسر.. أما في مجلس النواب، فسيحتاج الأمر إلى قيام 44 نائباً ديمقراطياً بالتحول ضد الرئيس، كي يتم هذا الأمر، أي إبطال الفيتو الرئاسي. وفي غيبة سلوك عدواني من إيران خلال الفترة ما بين أغسطس الجاري ومنتصف سبتمبر المقبل، فإن معظم المحللين يعتقدون أن أوباما سينجح في الحصول على العدد الكافي من الأصوات الذي سيضمن عدم إبطال الفيتو الخاص به في مجلس النواب، وأن ذلك، في حد ذاته، سيكون كافياً لإنقاذ الاتفاق النووي مع إيران.