في بعض دول العالم لا شيء يربط الحكام بالمحكومين سوى الدستور والقوانين، فباراك أوباما لا يعد أباً للأميركيين، وأنجيلا ميركل لا تعد أماً للألمان، والأب هناك والدٌ فقط، وليس ربّ أسرة له الكلمة الأخيرة في الصغيرة والكبيرة، وحتى العلاقة بين الملوك والشعوب لا ترقى في مثل تلك الدول إلى مصاف العلاقة بين الوالد وولده في البيوت العربية، أو ولي الأمر برعيته في الثقافة الإسلامية. ومن هذا المنظور، فتوجهات البيت الأبيض الخارجية قد لا تعني المواطن الأميركي ما دامت لا تؤثر على حياته، وحتى في أوساط المهتمين بمثل تلك الشؤون، فقد تقول واشنطن شيئاً ويقول المواطن العادي عكس ذلك تماماً، ولولا أن الإعلام يوجه هناك بطريقة معينة، مع الالتزام بمعايير حرية التعبير، لربما واجه البيت الأبيض معارضة أكبر لسياساته الخارجية. ومن هذا المنظور أيضاً، لا شيء سيحدث في عقل المواطن الأميركي لو أخذت واشنطن تدعم فجأة التيارات الظلامية في العالم العربي. قد يعترض، وقد يحتج، وقد يقبل ذلك التوجه إذا أقنع به، لكنه في كل الأحوال لن يصبح ظلامياً، لألف سبب وسبب، منها أنه لا ينظر لسيد البيت الأبيض كربّان سفينة، ومنها أنه لا ينتمي إلى الأمة التي خرجت منها تلك التيارات، وحتى لو كان هذا المواطن مسلماً، فلن يصبح ظلامياً لأن حكومته أصبحت ترعى الظلاميين. ويبدو أن بعض حكومات هذه المنطقة تعتقد أنها من الممكن أن تكون مثل أي حكومة غربية، وفي الوقت نفسه، تكون كبقية حكومات المنطقة، فتتخذ سياسات معينة في الخارج، وتتوقع ألا تلقي تلك السياسات بظلالها في الداخل، كأن تدعم الجماعات الإرهابية بعد أن تضفي عليها مسميات جهادية في قنواتها التلفزيونية، وتحسّن صورتها في الشارع، وتبرر لها على لسان أهل النخبة، وتشكك في الدول التي تسعى إلى لجم تلك الجماعات وكشف زيفها وإجرامها، ثم تعتقد أن هذا كله لن يترك أثراً على عقول رعاياها، وأن شبابها لن ينغمسوا في هذه الملفات دفاعاً عن وجهة نظر حكوماتهم وأهل الرأي فيهم، ومن باب السمع والطاعة لولاة أمورهم، أو لمجرد التعصّب لهم، باعتبارهم الأرباب للأسرة الكبيرة. هذه السياسات الغريبة بدأت تؤتي أكلها المرّ في مواقع التواصل الاجتماعي، ويمكن ملاحظة أن شباب بعض الدول التي هي أبعد ما تكون عن مواجهة الجماعات الإرهابية في الخارج، وكان شبابها إلى وقت قريب أبعد ما يكونون عن فكر هذه الجماعات، هم اليوم الأكثر دعماً وتأييداً لها، بما يشبه الانقلاب الفكري في أوساط أولئك الشباب، خصوصاً أن بيئات جميع دول المنطقة مهيئة لتقبّل مثل تلك الأفكار الظلامية، لأسباب لا يتسع لها المقام، وأن الدول التي لا تحاول أن تفعل شيئاً معرضة جداً لخطر هيمنة تلك الأفكار، فكيف بالدول التي تقف موقفاً إيجابياً منها لأهداف سياسية لا أهمية لها مقابل الثمن الذي تدفعه من عقول أبنائها. وتشير دراسة أكاديمية لجامعة ميلانو الإيطالية، حللت مليوني منشور في «تويتر» يتعلق بـ«داعش» خلال السنة الماضية، أن الدعم الأكبر لهذه العصابة لا يأتي من سوريا أو العراق، حيث يوجد «الدواعش»، وإنما من بعض الدول الأوروبية، حيث الجاليات الإسلامية المغيبة عقولها، ومن دولة باكستان، ومن دولة عربية حيّرت الجميع بسياساتها الغريبة.