«الحياة كركوب الدراجة الهوائية، لا تسقط منها إلاّ عندما تتوقف عن تدوير عجلتها». يقول ذلك هواة الدراجات، لكني ووزير الخارجية الأميركي «جون كيري» لم نكن قد توقفنا عندما سقطنا من الدراجة في يوم واحد نهاية مايو الماضي. فكلانا اصطدم برصيف حجري، هو على طريق سفوح جبال الألب من الجانب الفرنسي، وأنا على تلة بين مدينة «كنغستن» وبلدة «نيومولدن» في بريطانيا. والفارق بين وقعتينا كالفارق بين دراجتينا. سعر دراجة «سيروتا» الأميركية الصنع، التي ترافق «كيري» في رحلاته ثلاثة آلاف دولار، وسعر دراجتي «كارييرا» البريطانية 450 دولاراً. وكيري يرافقه طبيب وممرض، وحرس مسلحون. وأنا ترافقني نكات الوالد الراحل، الذي سألني عندما اشتريت دراجة بعد تخرجي من الجامعة: «عليش تتزوج بعد؟». و«أصعب شيء في تعلم سياقة الدراجة هو الرصيف»، حسب نكتة إنجليزية. وقد خالفتُ وكيري قاعدة الاحتفاظ دائماً بمسافة متر واحد من الرصيف. سبب ذلك استباق الدماغ الانتصار، والذي يحذر منه أطباء الرياضة. دماغ «كيري» انتشى عندما بلغ طريق سباقات الدراجات العالمية «تور دو فرانس»، ونشوة النصر هزمتني في ذروة التلة. وكلانا ضحك على نفسه، ولنفسه عندما وقعنا ولم تنكسر الرقبة، ولم يتحطم العمود الفقري، أو الجمجمة، وهذه سيناريوهات تدور آلاف المرات في ذهن الدَرّاج. إصابة «كيري» كسر بسيط في عظم الفخذ، وأنا، كمعظم العراقيين، لا أعرف ما انكسرَ فيّ حتى الآن! وإذا كنا متكافئين في سياقة الدراجات، فحظ «كيري» أفضل في الحب والسياسة. زوجته «تيريزا» وريثة إمبراطورية صناعات الأغذية «هاينز»، ومنها استوحى برنامجه لمعالجة ديون أميركا، وهو أن تتزوج واشنطن سويسرا، حسب نكتة مشهورة. وفي السياسة يضاهي «كيري» راكبي دراجات يحملون الموبايل بيد، وعلبة كوكاكولا بيد، فيما الدراجة «سيري وعين الله ترعاك»! يدٌ تدفع روسيا خارج «مجموعة السبعة»، ويدٌ تضمها للاتفاقية النووية الإيرانية، ومعها الصين، فيما تخوض ضدهّا حرباً «سيبرانية». و«سيري وعين الله ترعاك» في الخليج الذي تهدده مباشرة، إذا صحّ أنها تؤخر البرنامج النووي الإيراني، دون أن تفككه أو تلغيه، وأنها لا تنص على التفتيش المفاجئ، وأن بعض طلبات التفتيش تتطلب فترة انتظار 24 يوماً، وهي كافية لتنظيف المواقع المشبوهة. يوردُ هذه التفاصيل تقرير «ما الذي يريده المسؤلون الأميركيون، وما هي تنازلات إيران» الذي أعدّه مركز «مبادرة السياسة الخارجية الأميركية» بواشنطن. وما العمل في الخليج إذا كانت الاتفاقية «ثالث هزيمة للولايات المتحدة بعد فيتنام والعراق»، حسب عنوان مقالة «ديفيد بروك»، معلق «نيويورك تايمز»؟ و«تَعَلّم سياقة الدراجات، فإذا بقيت حياً بعدها لن تندم على شيء»، نكتة الكاتب الأميركي الساخر مارك توين. و«كيري» تَعَلّم في حربي فيتنام والعراق سياقة دراجات السياسة. تفاصيل ذلك في كتاب سيرته الذاتية «بطل الحرب وبطل مناهضة الحرب»، الذي صدر قُبيل معركة انتخابات الرئاسة بينه وبوش عام 2004، وفيه نقرأ كيف نال «كيري» أرفع الأوسمة العسكرية لإصاباته في حرب فيتنام، وتحوّل بعد تسريحه إلى زعيم حركة «المحاربين القدماء في فيتنام المناهضين للحرب»، وبادر شخصياً لعقد «مفاوضات السلام» مع الفيتناميين في باريس، واستحق بذلك وضع صورته في متحف مدينة «هوشي مينه». وبعد أن أيدّ بوش في غزو العراق دخل معركة الرئاسة ضده، وادّعى أن أوسمته التي رماها من فوق جدران الكونغرس احتجاجاً على حرب فيتنام، لم تكن أوسمته، بل أوسمة شخص آخر! وفتَكَ بحظوظه في الانتخابات كتابُ «غير صالح للقيادة»، وفيه أنكر بطولاتِه رفاقُ وحدته القتالية في فيتنام. وأغراني باقتناء الكتاب السميك من «أمزون» سعره 3 دولارات مع البريد. وهل غير مُصَّلح دراجات، أو «بايسكلجي» حسب هزء العراقيين، يفشل في الانتخابات ضد بوش، الذي كان في الحضيض بعد كارثتي حرب العراق، والأزمة الاقتصادية؟