وافق يوم الأحد التاسع من أغسطس 2015 الذكرى السبعينية لإلقاء القنبلة الذرية على ناجازاكي، وهي القنبلة الثانية بعد أن ألقيت الأولى على هيروشيما في السادس من الشهر نفسه. أعقب ذلك، في 15 سبتمبر، استسلام اليابان بغير قيد ولا شرط. أخذت القنبلة الأولى إلى الموت سبعين ألف نسمة في سبع دقائق، ولحقها عشرات الآلاف حتى تجاوز الرقم 150 ألفاً، وقع ترومان على مسح هيروشيما، بعد أن تدخل وزير خارجيته لإنقاذ مدينة كيوتو المقدسة (فيها ثلاثة آلاف معبد)، وبذلك تظهر عجائب الصدف في تدخل شخص لإنقاذ مئات الآلاف من أرواح العباد. وفي المداولات داخل الحلقة الضيقة من أهل القرار، تم استبعاد أول فكرة بإلقاء القنبلة الذرية في خليج طوكيو ليظهر هول السلاح وأثره المدمر، كما استُبعد قرار ضربة واحدة لمدينة واحدة، حتى لا يظن أحد أن الأميركيين يمزحون! كان المطلوب إذن استيعاب أن هذا السلاح ليس تصعيداً في قوة النيران بل قفزة نوعية وتحول جذري في قوة السلاح. وبكلمة أدق هو سقف القوة ونذير للبشر بالفناء الكامل. وهذا ما جاء في خطاب الإمبراطور لشعبه وقد طلب منهم ما لا يمكن تحمله وهو الاستسلام. اليابانيون لم يفهموا طبيعة السلاح الجديد، وما نجم عنه من دمار هائل وسريع، حتى ظن بعضهم أنه يوم القيامة ونهاية العالم. لكن طبيباً يابانياً شخص التأثير المدمر للإشعاعات النووية، والتي لاحظ أنها تدمر البشر والتربة ويستمر تأثيرها لآلاف السنين. واكتشف العلماء أن هذا السلاح هو بداية طريق لتصعيد القوة إلى ما لا نهاية، وهو ما حصل لاحقاً على يدي إدوارد تيللر الذي كان يعمل مع أوبنهايمر في معمل آلاموجوردو لإنتاج القنبلة الذرية الأولى، فكان يضحك ويقول: إنكم تضيعون أوقاتكم بسلاح بسيط، وهو ما اتضح حين امتلك الروس أول قنبلة ذرية وفجروها في صحراء «بالاتنسك»، فهرع البنتاجون إلى «تيللر» طالباً منه الإسراع في إنتاج القنبلة الهيدروجينية الحرارية، وهي أقوى ألف مرة من قنبلة هيروشيما. إن رحلة التصعيد بالتضخيم ثم النزول بإنتاج أسلحة صغيرة (ربما استعملوها في اجتياح العراق الأخير وعملية الاستيلاء على مطار صدام حسين الدولي)، ومن بعدها إنتاج قنابل النيترون.. توضح أن هذه البوابة تعني نهاية العالم وفناء الجنس البشري، كما كتب أحدهم يوماً عن جمهورية العقارب والصراصير. وقد ظهر بعد تفجير القنبلة الحرارية الفرنسية في الصحراء الجزائرية أن العقارب لم تتأثر بالأشعة، فتوصل العلماء من ذلك إلى أن المصل الذي يدور في عروق العقرب أقوى في تصديه للأشعة النووية من الإنسان 300 مرة. وفي نهاية القصة الحزينة، ليس ثمة أسرار أمام هذا السلاح المارق، فمن «آلامو جوردو»، حيث تم تصنيع أول قنبلة، في طريقين: أولهما التخصيب من اليورانيوم 238 لإنتاج قنبلة اليورانيوم 235 بضغط كتلتين حرجتين من مستوى ما تحت الحرجة إلى الكتلة الحرجة وهو سر حربي، أما الثاني فذلك الذي مهّد له «انريكو فيرمي» بإنتاج قنبلة البلوتونيوم 239، حيث أمكن تصنيع عدد لا نهائي من هذه القنابل المحرمة دولياً. الآن وبعد أن عرف العالم أنه على بوابة جهنم، انتهى مجلس الأمن مؤخراً، ومعه ألمانيا، من مفاوضة إيران على «تنظيم» نشاطها النووي في موقع «آراك» الذي تم بناؤه وتجهيزه على حساب قوت الشعب الإيراني، وقد تضمن الاتفاق تخلص إيران من 98% من اليورانيوم المخصب، والتنازل عن إنتاج أي سلاح نووي، وإنقاص الطاردات النووية للتخصيب بمقدار الثلثين، ومراقبة إيران الكاملة خلال 25 عاماً في مناجم اليورانيوم ومصانعه، والتحول نحو بناء الماء الثقيل في «آراك».