ليس من السهل على الغالبية العظمى من الرأي العام العربي، افتراض «حسن النية» في دعوة وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف، والتي طالب فيها مؤخراً دول جوار بلاده بإقامة «مجمع الحوار الإقليمي». بل هناك، في الواقع اعتقاد قوي -خاصة لدى الخليجيين والعرب- بأن يكون الهدف من تلك الدعوة هو إنقاذ إيران من مأزق استراتيجي تشعر به، على اعتبار أن الدعوة طرحت بحث الحل في اليمن وسوريا كبادرة لهذا التعاون، حيث تعاني السياسة الإيرانية، بينما تجاهلت الدعوة للحل في العراق ولبنان حيث يحظى الموقف الإيراني بمتمكن واضح في ذينك البلدين. من المؤسف أن نذكر لجواد ظريف، أن سياسة بلاده أقامت حاجزاً نفسياً مع جوارها العربي مع كل مبادرة أو تصريح لمسؤول إيراني، وحتى ولو كانت تحمل أفكاراً إيجابية لإقامة مصالح مشتركة! وهذا الحاجز له أسبابه المنطقية، فمع كل تجاوب عربي لما يطرحه قادة إيران كانت الأخيرة تقابل ذلك بتقلبات ومواقف غريبة، مثل: موقفها من استقرار الوضع الأمني في البحرين. بل حتى أحياناً كان إعلامها الرسمي، بالأخص صحيفة «كيهان» المقربة من المرشد، يلعب دوراً في تهييج الشارع الإيراني وغرس النعرات الطائفية والأيديولوجية ضد الدول العربية، لاسيما البحرين، وكذلك الادعاء بتبعية الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة لطهران. أعتقد، أن هناك الكثير من الشروخ في علاقات إيران مع جوارها العربي والخليجي بشكل خاص، وربما لا توجد مثل هذه الشروخ في العلاقات مع دول آسيا الوسطى التي تشملها المبادرة أيضاً. وبعض تلك الشروخ تزداد اتساعاً بسبب الاستمرار في سياسة إثارة النعرات الطائفية والتدخل في الشأن العربي، مما يحتاج إلى رؤية أوسع وتطمينات واقعية من جانب إيران قبل الحديث عن تعاون إقليمي، وإلا كانت الدعوة تفتقد إلى المنطق والواقعية. لابد للدول الخليجية أن تصارح ظريف بأنها اعتادت من السياسيين الإيرانيين تصريحاتهم المراوغة المجافية للحقيقة، لذا نجد حالة من التوجس والحذر إزاء المبادرة. بل كان القلق واضحاً من خلال تحليلات المراقبين العرب والخليجيين. وفي هذا الصدد ربما نتذكر تلك الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد إلى مصر خلال فترة الرئيس المعزول محمد مرسي وردة فعل الشعب المصري عليها، وكذلك المواطن السوري الذي رماه بحذائه، مع أنه قد تكون زيارته تأتي ضمن تطوير العلاقات بين البلدين. لهذا، فإذا كانت دعوة ظريف جاءت تحت شعار «الجار قبل الدار»، مع أن الجغرافيا لا تترك لنا المجال لتحديد جارنا، وإلا رأينا العديد من الدول وقد غيرت أماكنها واختارت من تجاور بدلا من التصارع معه، لذا وجدنا تساؤلات عربية وخليجية كثيرة تحاول أن تستوعب حقيقة الطرح الإيراني كي لا يكون مجرد «طُعم سياسي» جديد بعد أفغانستان والعراق، وكأنهم يأخذون بنصيحة «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين». الخبرة التاريخية تذكر لنا أن إيران لم تنجز شيئاً مع جوارها الخليجي، بل كانت سبباً في إفشال العديد من الجهود للتقارب والتسوية بعضها من أيام عمرو موسى عندما كان وزيراً للخارجية المصرية. إيران دائماً تحيرنا في مواقفها السياسية، فهي تحاول القفز على المشاكل الموجودة مع جوارها وتتناسى «عمداً» بأن هناك عقبات وعراقيل تنبغي إزالتها قبل أي نهج جديد لها. ومع أن هذه الدعوة ليست جديدة إلا في كونها جاءت «مكتوبة»، وغيرها كان مجرد تصريحات. وبالتالي فإن هذه الدعوة هي ضمن المشاريع الإيرنية «الكامنة» التي يتم طرحها في توقيتات يتم «انتقاؤها» حسب الظروف السياسية لها. الشيء الذي ينبغي أن نتساءل عنه هو ما إن كانت القيادة الإيرانية تدرك أن هناك غضباً شعبياً عربياً تجاه سياستها مع دول الجوار، وأن ما تقوم به في من التدخلات في الشؤون الداخلية للدول العربية لا يمكن تجاهله قبل أن تكون دعوتها غير مريبة ولا تحمل أشياء غير واضحة! هذا ليس معناه رفض الدعوة بقدر ما هو تأكيد على الخطوة المطلوبة من إيران لكي تثبت حسن نيتها، ولكي تبرهن على أن الأمر لا يتعلق ببالون اختبار لملفات أخرى على اعتبار أنه لا يمكن لوزير خارجية إيران أن يطرح مثل هذه الدعوة إلا إذا حدث شيء جديد في عملية صنع القرار الإيراني، وبالتالي فالدعوة في ذاتها قد تكون نقطة أخرى تضاف إلى الشكوك الخليجية والعربية السابقة حيال إيران.