يبدو أن القائمين على تأجيج الاضطرابات الإرهابية التي تشهدها المنطقة بدؤوا بزيادة وتيرتها، بعد تشديد الخناق الذي تعرضوا له إثر تآزر وتنسيق الموقف العربي، بالسعي للتحالف والتآلف، استجابة للتحديات والأزمات، وللرد على المخاطر المتفاقمة في المنطقة العربية. وليس تكاثف التحديات الإقليمية وفوضى العنف والإرهاب العارم في المنطقة بمعزل أيضاً عن الحصاد المر للتجربة الأميركية في العراق وأفغانستان، بعد أن أكد عدد من جنرالات الجيش الأميركي نفسه فائض الفشل المتحصل من هاتين الحالتين، وحمّلوا مسؤولية الخسارة في أكثر من موقف للإدارة الأميركية وطريقتها في التعاطي مع بعض الملفات الإقليمية من خلال قيادتها وخياراتها السيئة، ما تسبب في فشل الجهود الأميركية. ويأتي هذا التكالب في أعمال العنف والإرهاب أيضاً بعد انكشاف تدليس ما سمي «الربيع العربي» التي كانت أهدافها منذ البداية واضحة، وأولها الرغبة الملحّة في تقسيم المنطقة وتفتيتها إلى دويلات متناحرة لا تستطيع أن تخرج من أزمات الوجود والحدود لعدة عقود، وهو ما فشل في تحقيقه مخطط «المحافظين الجدد» المسمى «الشرق الأوسط الجديد». وقد نجحت المنطقة العربية، ولو جزئياً، في تخطي فخاخ الفوضى الخلاقة، وتعافت من هذا الفيروس المبيّت المميت. إنني ممن لا يؤمنون عادة بنظرية المؤامرة، إلا أن ما نراه الآن في بعض الدول العربية الغير المستقرة، وتكالب أعمال الإرهاب المتزامنة، التي تصبّ كلها في صالح أعداء الأمة، كل هذا يجعل الحديث عن وجود «مؤامرة» واقعية، دون حاجة إلى أية «نظرية»، أمراً ملموساً ومحسوساً ومرئياً بالعين المجردة. فقد فشلت ورقة الفوضى الخلاقة، وبارت ورقة «الربيع العربي» المنحوس، ودخلت الآن ورقة «الإرهاب والاضطراب» مرحلة التنفيذ بشكل خطير، وأيدي الإرهاب باتت تطال مناطق متفرقة من الجسد العربي الكبير، وما يجري حالياً من تنفيذ أجندات هدامة بات مكشوفاً للعيان، وصار يسعى حتى لاستهداف الدول المستقرة، فالتفجيرات التي طالت المملكة العربية السعودية ودولة الكويت مؤخراً تدل على رغبة واضحة وصريحة في تأجيج الفتنة وشق الوحدة الوطنية واختلاق الفوضى وإشعال النعرة الطائفية بين شعوب المنطقة. وبما أن «داعش» يسعى لاستهداف الشيعة في بعض دول شبه الجزيرة العربية، واللعب على حبال الفتنة المذهبية، إضافة إلى محاولة تهجير الأقليات الدينية والطائفية من المشرق العربي، جعل هذا الهدف الإجرامي بعض المراقبين يستدعون من الذاكرة ما وقع في أواخر تسعينيات القرن الماضي، لحظة تكوين «القاعدة» التي اتخذت حينها شعاراً مضللاً، هو «إخراج غير المسلمين من جزيرة العرب»، ورسخت، أي «القاعدة»، حينها، ذاك الشعار كوسيلة دعائية وجدت دعماً إعلامياً وقتها من بعض أبواق إعلام الفتنة، وكان ذلك على خلفية القواعد العسكرية في بعض دول المنطقة التي انتقلت حينها إلى مناطق أخرى، وخابت دعاية «القاعدة» في النهاية، وأفلس إرهابها وتبيّن أنه لا يتعلق بأدنى شبهة من دين أو عقل، وباقي القصة معروف لدى الجميع! وعليه، فإن مسعى «داعش» الإجرامي هذا لا يعني إلا أمراً واحداً هو أن هناك مخططاً معداً سلفاً لإشعال النزاع المذهبي في المنطقة، وإدخالها في حالة فوضى، مما يوجب الحذر جيداً، وعلى كل المستويات، خصوصاً أن السعودية ودول الخليج في مواجهة مفتوحة ضد أشرار المنطقة، أنظمة وميليشيات إرهابية. وأولى خطوات الحذر هي ضرورة الحزم تجاه التحريض المذهبي، وتنقيح الخطاب الإعلامي، وعدم التساهل مع المتلونين الذين يحرضون وقت الرخاء، ويستنكرون وقت الشدة. وتجربة المنطقة في محاربة إرهاب «القاعدة» تفرض أن يكون الداخل محصناً الآن بالوعي أكثر من أي وقت مضى، فلا يمكن أن يخدع البعض مجدداً بالخطابات التحريضية، والأفكار الشيطانية التي يراد منها المساس بوحدة الوطن. والمطلوب الآن هو التصدي لمثيري الفتنة، بأنظمة وقوانين، بعضها يجب أن يفعّل، وبشكل حاسم، وأن يكون ذلك من خلال فعل، وليس مجرد ردود فعل، فما يحاك ضد السعودية ودول الخليج هو مخطط فتنة، وشر مستطير. وعلى العموم فمواجهة كل هذا الفيضان والطوفان من العنف والإرهاب في المنطقة يستدعي استعداداً واستجابة على قدر التحدي، وخطوات استباقية حاسمة لم تعد تحتمل التأجيل.