احتفلت مصر يوم الخميس الماضي بافتتاح قناة السويس الجديدة بمشاركة واسعة من شقيقاتها العربيات وجيرانها الأفارقة ولفيف من دول العالم تعبيراً عن قيمة الإنجاز ودلالته، لكني أحسب أن حضور الإمارات الفرحة المصرية كان حضوراً خاصاً للغاية انعكاساً للعلاقات الأخوية الحميمة الراسخة بين الدولتين وشعبيهما والتي وضع أسسها المتينة القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله. وشواهد هذا الحضور الخاص عديدة أولها الوفد رفيع المستوى الذي شارك في الاحتفال برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، ويعرف المصريون الشيخ محمد بن راشد جيداً ويكنون له أخلص مشاعر المحبة والعرفان التي يكنونها لكافة قيادات الإمارات وشعبها، ولا ينسى المصريون له حضوره الأخير على رأس وفد الإمارات في مؤتمر «مستقبل مصر» الذي انعقد في شرم الشيخ في مارس الماضي والكلمة التي ألقاها في افتتاحه والتي فاضت بالحب لمصر وشعبها والتقدير لمكانتها والاعتزاز بعلاقة بلاده معها. وفي حضوره هذه المرة أشاد بالإنجاز البشري العظيم الذي تم في زمن قياسي بعقول وأموال وسواعد مصرية ما يعكس عظمة شعب مصر الشقيق وقدرته على مواجهة التحديات وتقديم الكثير للبشرية والحضارة الإنسانية. وقد كان لهذه الكلمات الصادقة المحبة كالعادة أطيب الأثر على الشعب المصري الذي بات واثقاً من أن دولة الإمارات العزيزة تمثل له سنداً حقيقياً. وقد يقول قائل إن المشاركة على هذا النحو أمر طبيعي تشترك فيه الإمارات مع غيرها من الدول المحبة لمصر ولكن فلنتتبع القصة من أولها كي ندلل على الحضور الخاص للإمارات في الأفراح المصرية، وربما لا يعرف الكثيرون أن الإمارات شريك أصيل لمصر في المشروعات المتعلقة بقناة السويس وتطويرها، ففي 1974 و1977 مول صندوق أبوظبي للتنمية مشروع تطوير قناة السويس في عهد الرئيس الراحل أنور السادات بتقديم قرضين تنمويين بقيمة إجمالية بلغت 205 ملايين درهم. ويلاحظ من تاريخ تقديم القرضين أنه قد أعقب استقلال دولة الإمارات بسنوات قليلة، وهو ما يعني أنها تقف إلى جانب مصر منذ نشأتها تأكيداً للتوجه العروبي لمؤسسها وكذلك للمكانة الخاصة التي تمتعت بها مصر لديه، وأن المساعدات الإماراتية لمصر تحسن اختيار أهدافها فلا تخفى الأهمية التي أولتها مصر دائماً لتطوير قناة السويس كي تحافظ على مكانتها بين الممرات المائية العالمية التي تخدم حركة التجارة الدولية، ومن ثم على دورها كمورد اقتصادي مهم لمصر. والواقع أن تمويل مشروعات تطوير قناة السويس في سبعينيات القرن الماضي ليست سوى جزء من كل، فحتى السنة الحالية (2015) مول الصندوق عديداً من المشروعات المتنوعة التي تشمل مشروعات زراعية وصناعية وتجارية وسياحية وكذلك مشروعات تتعلق بالإسكان والطاقة والتعليم والصحة. والسمة الجميلة في المشروعات الممولة من دولة الإمارات أنها تنعكس إيجاباً على الحياة اليومية للمواطن المصري عندما يسكن في حي أقامته الإمارات أو يرتاد مستشفى متطوراً أو وحدة طبية أنشأتها أو يلحق أبناءه بمدرسة بَنتها أو يذهب إلى عمله في حافلة أهدتها لمصر وهكذا. ويقدر عدد المصريين الذين استفادوا من هذه المساعدات حتى الآن بحوالى عشرة ملايين، وهو عدد متزايد بطبيعة الحال لأن كثيراً من المشروعات متجددة الفائدة عبر الزمن، ولذلك لم يكن غريباً أن يؤكد رئيس الوزراء المصري أن الشعب المصري يلمس الآثار والنتائج المباشرة لمشروعات الإمارات في مصر لارتباطها بهذه القطاعات الحيوية. غير أن موقع الإمارات من فرحة قناة السويس لا يقف عند هذا الحد، فكما مولت الإمارات مشروعات تطويرها في سبعينيات القرن الماضي قادت شركة الجرافات الوطنية الإماراتية عملية التكريك غير المسبوقة في مشروع قناة السويس الجديدة، وبينما لاحظ المصريون أن دولة كهولندا بالغت في دورها في هذه العملية فإن الشركة الإماراتية قامت بعملها بمنتهى الاحتراف والتواضع، كما تم اختيار توقيت موفق للانتهاء من عدد من المشروعات الإماراتية الحيوية تزامن مع افتتاح قناة السويس الجديدة. ولهذه الاعتبارات كلها وغيرها كان الحضور الإماراتي في فرحة مصر حضوراً استثنائياً وستبقى العلاقات بين البلدين نموذجاً رائعاً لعلاقات الصداقة والتضامن الحقة.