انتهت مؤخراً فصول صفقة بناء حاملتي طائرات الهليكوبتر «ميسترال» التي كان من المقرر أن تبنيها فرنسا لمصلحة روسيا بسبب الصراع الدائر في شرق أوكرانيا. وكان من نتيجة هذا الإلغاء أن تحمل حوض بناء السفن الفرنسي وحده عبء الخسائر التي يمولها دافعو الضرائب، فيما يتحمل دافعو الضرائب الروس أعباء تكاليف إعادة تأهيل أرصفة أحواض بناء السفن حتى تتمكن روسيا من بناء سفنها الحربية بنفسها. وقال الكرملين مساء الأربعاء الماضي إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند اتفقا على إلغاء العقد الذي أُبرم بينهما عام 2011 بعد أن تلقّت روسيا التعويضات المناسبة، وهي تحضّر الآن لنزع التجهيزات العسكرية الروسية من الحاملتين. وجاء في تصريح رسمي روسي أن «روسيا تعتبر صفقة ميسترال منتهية تماماً». ولم يتحدث الكرملين عن المبلغ الذي استلمته روسيا مقابل إلغاء العقد بعد أن ظل الموضوع قضية أخذ وردّ لفترة بضعة أشهر، إلا أن صحيفة «كوميرسانت» الروسية قالت إن مبلغ التعويضات الذي تم إيداعه في حساب الحكومة الروسية بالفعل يفوق 1,1 مليار يورو (1,2 مليار دولار). وسبق لروسيا أن دفعت منذ وقت طويل 785 مليون يورو ثمناً للحاملتين، وكان من المفترض أن تتسلم إحداهما الخريف الماضي والثانية في شهر سبتمبر المقبل، إلا أن الرئيس أولاند علّق العمل بالعقد تحت ضغوط دول حلف شمال الأطلسي «الناتو» بعد أن تأكد تدخل روسيا في الحرب الدائرة في شرق أوكرانيا. وسرعان ما طالبت روسيا بالتعويضات التي ينص عليها العقد. وفي شهر أبريل الماضي قال بوتين إنه لن يطلب «أي تعويضات عن الأضرار الناتجة عن إلغاء الصفقة»، وطلبت روسيا من فرنسا التعويض عن هذا الإجراء بمساعدتها على تشييد البنى التحتية لحوض جديد لبناء السفن. وتدريب طواقم العمل الروسية على تشغيله. وإذا كان الرقم الذي نشرته صحيفة «كوميرسانت» صحيحاً، فسيعني أن فرنسا تكون قد وافقت على بعض المطالب التي تقدمت بها موسكو لتسوية الموضوع متجنبة بذلك الخوض في مشاحنات سياسية مع روسيا. وقالت الصحيفة أيضاً إن الحكومة الفرنسية عملت كل ما في وسعها لتحويل الأموال إلى حساب الحكومة الروسية بهدوء ومن دون إثارة أي ضجيج إعلامي خشية مصادرتها من طرف المساهمين في شركة «يوكوس» الروسية المتوقفة عن العمل الذين ربحوا الدعوى المقامة ضدها ويطالبون بمصادرة الأصول الروسية في أوروبا لاسترداد أموالهم. وقال «ديمتري روجوزين» نائب رئيس الوزراء الروسي للصناعات العسكرية في تغريدة على «تويتر»: «لقد تم إلغاء الصفقة بروح من المشاركة والتعاون». ويُعرف عن «روجوزين» أنه لم يكن في أي يوم من الأيام موافقاً على العقد المتعلق بصفقة «ميسترال». وقال في هذا الشأن العام الماضي: «لقد كنت أعتبرها دائماً من الصفقات الخاصة بالرفيق سيرديوكوف»، مشيراً بذلك إلى وزير الدفاع السابق «أناتولي سيرديوكوف» الذي قتل بحادث إطلاق نار عقب نشر أخبار تورطه بفضيحة مالية أواسط عام 2012. ولم يكن في وسع الوزير القتيل أن يوضح بشكل مقنع لماذا كانت وزارته بحاجة إلى صفقة «ميسترال». وفي عام 2009، قال الأدميرال «فلاديمير فيسوتسكي» الذي أصبح فيما بعد قائداً للقوات البحرية الروسية، إن حاملتي الطائرات المروحية «ميسترال»، يمكن أن تكونا ذواتا فائدة في الحرب القصيرة التي خاضتها روسيا ضد جارتها «جيورجيا» عام 2008. وكان بوسعهما أن تسمحا للأسطول البحري الروسي في البحر الأسود بإغلاق حدود جيورجيا خلال 40 دقيقة بدلاً من 26 ساعة، إلا أن روسيا لا تحتاج في حقيقة الأمر لدفع مبلغ 1,2 مليار يورو مقابل هذا النوع من توفير الوقت، وخاصة أن الحرب كانت في ذلك الوقت قد حسمت بالفعل لمصلحة روسيا. وهذا لا يعني بالطبع أن العقد كان بقصد الرشوة. فلقد كانت الحاملتان مفيدتين لتنفيذ المناورات في المياه الدولية ورفع العلم الروسي فوق البحار المختلفة. وتشاع في موسكو نظرية أخرى تفيد بأن الصفقة كانت تندرج في إطار المردود السياسي لدور الرئيس الفرنسي «نيكولا ساركوزي» في إنهاء الحرب الروسية- الجيورجية عام 2008. ولهذا الغرض، توسط ساركوزي بين روسيا و«ميخائيل ساكاشفيلي» الذي أصبح فيما بعد رئيساً لجيورجيا للتوصل إلى حل للنزاع مقابل تجنيب روسيا العقوبات الدولية. وربما كان هذا العمل هو الذي شجع بوتين على احتلال شبه جزيرة القرم بعد عدة سنوات. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»