أعتقد أن تقرير الوظائف الذي نشر يوم الجمعة الماضي، لن يغير التصور المستقبلي العام لسوق العمل في الولايات المتحدة، ولكن من المحتمل أن يكون له تأثير على أحد أكبر الهواجس المهيمنة على الأسواق المالية في الوقت الراهن، وهو ذلك المتعلق بالتاريخ، الذي سيقوم فيه «مجلس الاحتياطي الفيدرالي» الأميركي بالإعلان عن أول زيادة في أسعار الفائدة خلال ما يزيد على تسعة أعوام. ومن المتوقع أن يؤدي التقرير الشهري الموجز، المنظر على أحر من الجمر، عن حالة التشغيل في الولايات المتحدة، إلى تعزيز التصور الخاص بالتعافي المستمر والتدريجي، لأنه سيظهر أن معدل البطالة في الأمد الطويل، ما زال يواصل سيره البطيء نحو الانخفاض التدريجي، وأن العمال المحبطين، الذين كانوا قد قرروا التوقف عن البحث عن عمل في مراحل سابقة، بسبب عدم توافر الوظائف المناسبة لهم، يتم اجتذابهم مرة أخرى لقوة العمل بخطى بطيئة، وأن الأجور ربما تكون قد بدأت في الزيادة. وكل هذه المؤشرات تؤكد أن الاقتصاد الأميركي يواصل توسعه، ويفوق اقتصادات معظم البلدان الأخرى في الأداء. ولكن علينا في الآن ذاته أن نضع أيضاً في اعتبارنا كذلك أن سرعة النمو الحالية لهذا الاقتصاد، ما زالت قاصرة عن بلوغ ما يطلق عليه «سرعة الإفلات»، التي تقصد بها السرعة المطلوبة لإحداث فارق جوهري في مستوى رفاهية السكان، وأن نضع في اعتبارنا أيضاً أن الاقتصاد الأميركي ما زال يفتقر إلى القوة اللازمة لمواجهة الرياح الداخلية والخارجية المتوقعة المناوئة للنمو، والتي تؤدي حتماً إلى إبطاء وتيرته. وهذه المؤشرات -في حد ذاتها- لن يكون لها سوى تأثير طفيف على تغيير التصورات المتعلقة بالسوق. ولكن الأرقام التي تضمنها تقرير الوظائف، الذي نشر يوم الجمعة الماضي، يمكن أن تكون لها أهمية، إذا ما أثرت على مفاهيم «الاحتياطي الفيدرالي» المتعلقة بآفاق سياسته. ويشار في هذا السياق إلى أن التعزيز التدريجي لسوق العمل في الولايات المتحدة، كان من المحركات الرئيسية، للمؤشرات الأخيرة الصادرة عن البنك المركزي، والتي تشير إلى أن «الاحتياطي الفيدرالي» يمكن أن يبدأ دورة رفع أسعار الفائدة هذا العام، وهو ما سيمثل في حالة حدوثه أول زيادة في أسعار الفائدة منذ عام 2006. وتدشين هذه الدورة سيدفع المستثمرين إلى تثبيت رؤاهم المتعلقة بالوتيرة اللاحقة لزيادات الفائدة، ومستواها النهائي، وهو ما سيؤثر بدوره على تشكيلة كاملة ومتنوعة من أسعار السندات، والسلع، والعملات، وتقلبات أسواق الأسهم، ليس في الولايات المتحدة فحسب، وإنما في مختلف دول العالم. واعتباراً من الآن، يتوقع نصف عدد المستثمرين تقريباً أن «الاحتياطي الفيدرالي» سيقوم برفع أسعار الفائدة في سبتمبر المقبل، في حين أن معظم النصف الباقي يتوقع خطوة من «الاحتياطي الفيدرالي» بهذا الخصوص في شهر ديسمبر، أو حتى مع بداية العام المقبل. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»