ليست للغضب حدود إن لم يسيطر عليه عقل وحكمة، وإن انفلت لا سقف يمكن أن يضع له حداً يحول بينه وبين التفاقم، وليس ثمة أقسى من صمت يُبنى بنيران ليست صديقة تأخد في طريقها كل شيء، ولا ينبغي أن نرى النتائج ونلعنها وندعي أن الدمار الإقليمي كان من غير أسباب، أو أن النار التي يكتوي بها بعض شعوب المنطقة وبعض دولها غير المستقرة انتشرت هكذا فجأة انتشاراً عظيماً وأخذت معها الأخضر واليابس والجميل والأفكار وكل الحياة! إن لكل شيء سبباً، وينبغي التفكير في الأسباب، لأن ذلك مُعين على الفهم. وهناك أسباب دفينة، أسباب تأخذ بتلابيب الأزمة وتقتلع جذورها لتنتهي بلا رجعة. فمن قد يعتلي المنابر اليوم ويخطب ويحط من قدر آخرين ويتهمهم بإثارة الفتن يتعمد ألا يرى الجبل الضخم المختبئ في عمق المشكلات الإقليمية. ومن يتهم في الغرب الإسلام بالتطرف ويرميه بكل الاتهامات يعلم في قرارة نفسه أن الإسلام لو كان عنيفاً لما انتشر وساد العالم، ولما كنا اليوم كمسلمين ننبذ العنف كأغلبية ونحاربه ونرفضه جملة وتفصيلًا. وبالعودة إلى تاريخ قريب.. نرى أن احتلال العراق وما مارسته الولايات المتحدة في عهد بوش و«المحافظين الجدد» من عنف تجاه الشعب العراقي ذي الغالبية السُّنية أسّس لشجرة العنف، بدليل أن سجون «أبو غريب» وغيرها زرعت غضباً مدفوناً حين مارست وحشية انتهاك جنسي تجاه أبرياء كانت تهمتهم أنهم دافعوا عن بلادهم. ولم تكتف أميركا «المحافظين الجدد» باحتلال أرض عربية في زمن انتهى فيه عصر الاحتلال، بل ذهبت لتجلب العدو اللدود الذي طالما صارعه العراق على مر الحضارات الإنسانية. وعندما يتهم الرئيس الأميركي أوباما دول الخليج في تعاملها مع القضايا ومعالجتها للأزمات نسي أن يضيف أن اختراق بلاده لأمن العراق، وحمايته لتوغل إيران فيه، وغض بصره عن ممارساتها بحق الشعب هناك، هو الذي أسس لانطلاق الغضب واعتناق انحراف ديني جديد لا يعرف غير الغلو. ومن هناك بدأت النيران المتوثبة والخافتة التي ازدات اشتعالًا وكان لا مفر من تجاوزها حدود تلك البلاد لتخترق جيرانها، ويبدأ الاحتراق في المواجهة مع استمرار مثل هذا القتل والدمار الذي تستمر إيران وغيرها في إيقاد جذوته باستمرارها في هذه الممارسات التي يغض عنها العالم الطرف، ويدعي أنه لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم. إن كثرة الكلام في قضية تمس كل تفاصيل حياتنا دون استثناء تستدعي عقلانية محصنة وإدراكاً بأن الشعوب لا تقف أبداً مع الغلو والتطرف، ولذا لا ينبغي أن نلقي الاتهامات جزافاً حتى نبرر أخطاءنا أو أخطاء غيرنا! ومن يبحث عن حلول حقيقية عليه أن يقرأ الأسباب ويبحث عن المعطيات ويفكر أولًا وأخيراً في مصالح الأوطان دون أية اعتبارات أخرى، فالظروف العابرة زائلة ولا يبقى إلا الوطن وهو المهم والأهم دائماً وأبداً.