خلال الأعوام القليلة الماضية، اندلع العديد من الاحتجاجات في دول عدة بسبب رفع الدعم عن المشتقات النفطية تارة وتارة أخرى بسبب زيادة أسعار الوقود. فعلى سبيل المثال، حدثت أعمال شغب تسببت في خسائر اقتصادية كبيرة في كل من المملكة الأردنية والسودان عامي 2012 و2013 على التوالي عند الإعلان عن رفع الدعم عن المشتقات النفطية. وفي عام 2014، برزت موجة غضب شعبية واسعة في مصر إثر الإعلان عن زيادة أسعار الوقود وما قد يترتب عليه من ارتفاع في أسعار السلع الغذائية ووسائل النقل الجماعي. وقد شهدت جامايكا وإندونيسيا في عامي 1999 و2013 أعمال عنف بسبب الإعلان عن ارتفاع أسعار الوقود. وفي عامي 2007 و2010، نشبت احتجاجات كبيرة في إيران ومثلها في نيجيريا في عام 2012 إثر تصريحات رسمية بإنهاء الدعم عن المشتقات النفطية. وفي عام 2014، برزت موجات غضب قوية في أنحاء فنزويلا عند إعلان الحكومة النية في رفع أسعار الوقود في دولة ينظر المواطن الفنزويلي فيها لسعر الوقود بأنه «حق مكتسب بالولادة»، وهو من أرخص الأسعار على مستوى العالم. وفي الثاني والعشرين من شهر يوليو الماضي، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة رفع الدعم عن الوقود، وبالتالي تحرير أسعاره وتحديدها شهرياً تبعاً لتطورات السوق العالمية. وساقت وزارة الطاقة العديد من النتائج الإيجابية لذلك القرار منها دعم الاقتصاد المحلي، وترشيد استهلاك الوقود وتقوية مصادر الدخل بهدف تشجيع التنافسية وتعزيز مكانة دولة الإمارات في الاقتصاد العالمي، وبالتالي استمرار استراتيجية الحكومة في بناء اقتصاد قوي قائم على تنوع المصادر وليس على دعم حكومي للسلع. ونحن هنا لسنا في مجال مقارنة بين ما حدث في بعض الدول المذكورة آنفاً وبين دولة الإمارات العربية المتحدة فلكل دولة ظروف وأوضاع تختلف عن الدولة الأخرى، ونحن نحترم الشعوب والدول الأخرى دائماً. ولكني أستطيع الجزم بأن أصحاب النفوس المريضة والتي تتربص بدولة الإمارات قيادة وشعباً قد تلقت هذا الإعلان الحكومي وكأنه فرصة ذهبية لزرع الدسائس بين المواطن والقيادة، وبالتالي زعزعة الأوضاع لكي تنضم الدولة لقائمة الدول السالفة الذكر والتي عانت الوضع نفسه. ولكن جاءت المفاجأة من شباب الوطن الذين أبوا أن يكونوا لعبة في أيدي محرضي الفساد والشغب. وقد لاحظت أنه في خلال يومين فقط من إعلان وزارة الطاقة أثبت شباب الوطن انتماءهم للوطن ليس بالشعارات والنداءات ولكن بأسلوب علمي واضح. فقد تم تحليل المعطيات للوصول للنتائج، وذلك ليس أثناء مؤتمر أو محاضرة، ولكن على مواقع التواصل الاجتماعي وأهمها «الواتس أب». فقد قام شباب الوطن بتحليل المخصصات التي تنفقها الحكومة لدعم المحروقات، وتحديد شريحة المستفيدين من مواطنين ووافدين والآثار الإيجابية على المواطن والبنية التحتية للدولة نتيجة رفع الدعم عند توجيه مليارات الدراهم لمزيد من التنمية. ثم تطرق المواطنون لآلية الحكومة عند صياغة القوانين في الدولة بدءاً من تحديد نوع القانون انتهاءً بوضعه ضمن الميزانية العامة والخاصة ومناقشته في المجلس الوطني الاتحادي. وتناول المواطنون أيضاً نفقات الدولة في توفير الأراضي والمنازل والمنح المالية، وعدم فرض الضرائب ومقارنتها بالزيادة المتوقعة في أسعار الوقود التي سيتحملها المواطن، وذلك بأسلوب سهل يعكس ارتفاع وعي شباب الوطن وثقافتهم. وانتهى المواطنون إلى حقيقة مفادها أن قيادة الدولة لم تصدر قرار تحرير أسعار الوقود اعتباطاً أو لوضع أعباء ثقيلة على كاهل المواطن، بل كان القرار صائباً ومدروساً ولمصلحة الوطن تنفيذاً لمقولة خالدة لوالدنا المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عندما قال: «إذا كان الله عز وجل قد منّ علينا بالثروة، فإن أول ما نلتزم به أن نوجّه هذه الثروة لإصلاح البلاد، ولسوق الخير إلى شعبها». فهنيئاً للإمارات شبابها الواعي الذي هو خير سند للقيادة الحكيمة، والسموحة.