أفضت الانتصارات الأخيرة لقوى الشرعية في اليمن إلى سيناريو متفائل لمستقبله تمتد بموجبه هذه الانتصارات بحيث تشمل الجنوب كله ثم تتواصل في الشمال انتهاءً باستعادة السيطرة على صنعاء وصعدة وتحقيق الهزيمة النهائية للحوثيين وصالح. ولاشك أن تحقق هذا السيناريو يبدو ممكناً، خاصة وأن الانتصارات السابقة لم يطل انتظارها كما توقع الكثيرون، فلماذا لا نفكر أنه في غضون عام مثلاً يمكن استعادة الشرعية بالكامل، خاصة وأن التحالف مثابر في دعمه لقوى الشرعية بالهجمات الجوية والتزويد بالسلاح والتوجيه والتدريب الذي أفضى مؤخراً إلى انضمام عدة كتائب لقوى الشرعية تم تدريبها داخل اليمن وفي قواعد سعودية، بل تحدثت تقارير عن انضمام ألف وخمسمائة جندي من دول التحالف إلى هذه القوات؟ لكن الأمور لا تجري بهذه البساطة، فالوضع في اليمن بالغ التعقيد، وأولى الملاحظات بخصوص هذا السيناريو أنه ليست لدينا فكرة دقيقة عما آلت إليه قوة الحوثيين وصالح. إنها تتراجع بالتأكيد، لكنها ماتزال تملك قواعد قوتها الأساسية في صنعاء وصعدة، فضلاً عن بقايا جيش صالح والقوى القبلية المؤيدة له، وقد يؤدي هذا الوضع إلى عدم اكتمال السيناريو المتفائل باستعادة السيطرة على كامل اليمن في المدى الزمني المنظور، خاصة وأننا لا نستطيع القطع بدرجة الدعم الإيراني في الظروف الراهنة، وإن كان من المرجح أن إيران قد أدركت الآن أن اليمن ليس هدفاً سهلاً لاعتبارات داخلية وخارجية، كما أن أمامها تحدٍ حقيقي في سوريا عليها أن تجتازه. ومن المؤكد أن التدخل الإيراني المباشر في اليمن مستبعد. وهناك تحفظ ثانٍ على سيناريو الانتصار الكامل لقوى الشرعية في الأمد المنظور، يتمثل في احتمالية توقف أو تباطؤ قوة الدفع في اتجاه تحقيقه بعد استكمال السيطرة على الجنوب؛ أولاً لأن الحوثيين وصالح أقوى في الشمال منهم في الجنوب، كما أنه بالنظر إلى أن قوام المقاومة الشعبية يتألف من عناصر جنوبية أساساً، فإنهم قد يجدون في تحرير الجنوب فرصة لتحقيق أهدافهم في فصله عن الشمال، وإن كان هذا لا يصادر إمكانية تكرار خبرة «جون جارانغ» في السودان، فلم يكن يقاتل من أجل فصل الجنوب وإنما تحرير السودان بالكامل من الاستبداد والظلم الاجتماعي، بدليل تحالفه مع قوى شمالية معارضة، وقد انتهى هذا التوجه بوفاته. ويقول البعض، تعزيزاً لاحتمالية سيناريو انفصال الجنوب، أن التحالف قد يدفع باتجاه تحقيقه، وهو قول خاطئ لأن لعبة توازن القوى القديمة قد ولت بدخول إيران الساحة اليمنية، وليس من مصلحة التحالف أن يترك شمال اليمن فريسة لنفوذ إيران. هذا علاوة على أن سيناريو انفصال الجنوب قابل للتوالد، بمعنى أن ثمة اتجاهات انفصالية داخل الجنوب ذاته. ويبقى بعد ذلك أن نناقش تأثير الأحزاب اليمنية وقوى الإرهاب المتسترة بالإسلام، مثل «القاعدة» و«داعش»، على سيناريوهات المستقبل اليمني. وفي تقديري أن تأثيرها هامشي، إذ لم تلعب الأحزاب اليمنية دوراً أساسياً لا في انتفاضة 2011 ولا في التطورات الأخيرة، وحتى «حزب الإصلاح» الذي كانت له شعبية ملحوظة ذات يوم، تراجعت مكانته على ضوء تخاذله الملحوظ في مواجهة الحوثيين، بالإضافة إلى انكسار المد الإخواني الذي يعتبر «الإصلاح» من فصائله على ضوء التطورات في مصر وتونس بصفة خاصة. أما قوى الإرهاب فلم تنجح في تحقيق أي إنجاز استراتيجي في اليمن حتى الآن، ناهيك عن الدعم الدولي للحرب عليها. وعلى ضوء ما سبق، يبدو أن الوضع اليمني ينطوي على درجة عالية من التعقيد، وأن سيناريو الانتصار الكامل للشرعية ليس مضموناً في الأمد القصير، لذلك فالبديل الأفضل هو التفكير في صناعة المستقبل، بمعنى ألا نكتفي بمحاولة التنبؤ وكأننا مجرد مراقبين، وإنما نحاول تصور السيناريو الأمثل والسعي لتحقيقه. وفي هذا الإطار يبدو السيناريو الديمقراطي أفضل مخرج ممكن، وهو يتطلب استمرار التحالف في الضغط عسكرياً على الحوثيين حتى ينصاعوا لمتطلبات التفاوض، على ألا يتم هذا التفاوض بمنطق تقسيم الكعكة وإنما الاحتكام إلى الشعب في انتخابات ديمقراطية تفضي إلى تحديد الأوزان النسبية الحقيقية للفرق المتصارعة، على أن يتم ذلك بإشراف عربي وأممي، وأن تلتزم كافة الفصائل مسبقاً بنتائج الانتخابات وكذلك بالتفاعل الديمقراطي فيما بينها. وللشعب اليمني تجربته المهمة في هذا الصدد في مؤتمر الحوار الوطني.