عندما شرع رئيس الوزراء الياباني «شينزو آبي» في جهود الإحياء الاقتصادي الأكثر جسارة في التاريخ المعاصر، كان الرأي الغالب يذهب إلى أن نسبة البطالة المنخفضة للغاية التي كانت تقل عن 4? في اليابان والتي وصلت الآن 3.3?، سوف تساعده على تحقيق النجاح في مهمته. فندرة العمالة في اليابان عامل يفترض أن يجبر الشركات اليابانية المتخمة بالمال على رفع الأجور، على الأقل وفقاً لما يطلق عليه الاقتصاديون «معدل تضخم البطالة غير المتسارع». لكن بعد مرور 31 شهراً على انطلاق «برنامج آبي الاقتصادي»، والتي بات يطلق عليه اختصاراً «آبينوميكس»، نجد أن اليابان قد أطاحت بتلك النظرية تماماً. فالرواتب المعدلة وفقاً لنسبة التضخم، لم ترتفع خلال خمسة وعشرين شهراً الماضية، بينما انخفض معدل الإنفاق المنزلي خلال 14 شهراً الماضية. وهو يقل الآن بنسبة 2? عن المعدل المماثل في يونيو من العام الماضي. أما أسعار المواد الاستهلاكية، باستثناء الأغذية الطازجة، فظلت ثابتة تقريباً، حيث لم ترتفع إلا بنسبة 0.1? في يونيو، رغم برنامج التحفيز الضخم الذي دشنه بنك اليابان. وهناك أيضاً معدل الإنتاجية الذي كان الأدنى مقارنة بمثيله في دول مجموعة السبع العظمى. فما الذي أدى إلى كل ذلك؟ لا شك أن الخصائص السكانية المثيرة للرثاء، تستحق بعض اللوم. فالسكان الشائخون، المنكمشون على نحو مطرد من حيث العدد، حرموا بنك اليابان من القفزة الدورية في التضخم التي يحاول هندستها. لكن المشكلة الحقيقة، في الواقع، تتمثل في تردد الحكومة. لمعرفة ذلك يمكن أن نفكر فقط في هذا المثال: في نطاق سعيه لزيادة الأجور، اقترح فريق «آبي» أن تقوم الشركات برفع الحد الأدنى لمعدل الأجور بالساعة، بمقدار 18 ين، من المعدل الحالي البالغ 780 ين أو ما يعادل 6.30 دولار. هذه زيادة ضئيلة للغاية، والأمر يحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك بكثير، لتحفيز الشركات على زيادة الأجور. ومن الواضح أن «آبي» يراهن على رغبة الشركات والمؤسسات اليابانية في اقتسام غنائم انخفاض الين. ومع ذلك فإن رؤساء الشركات الذين يجلسون على جبال من أوراق البنكنوت تصل في مجملها إلى 2 تريليون دولار، استمروا في مراكمة الأرباح للربع السادس والعشرين على التوالي، بينما ظل الإنفاق الرأسمالي تحت المستويات التي كانت سائدة قبل اندلاع أزمة 2008. الأمر هنا لا يقتصر على كونه جشعاً، ذلك أن الشركات تنتظر قيام آبي بتنفيذ إصلاحاته اللازمة لتسريع النمو في السنوات القادمة. لكن مشكلة «آبي» أنه عندما يتعلق الأمر بالإصلاحات الهيكلية المطلوبة لإنعاش النمو، مثل توسيع أسواق العمل، وتقليص اللوائح، وتشجيع الشركات الناشئة، وتمكين المرأة، وتطوير سياسة جديدة للطاقة.. فإنه يقدم نموذجاً فريداً في التردد. وافتقاره للإحساس بالعجلة والأهمية يجعل من الأفق الاقتصادي الياباني قاتماً. ويحذر صندوق النقد الدولي من أنه بحلول عام 2018 يمكن للنمو أن يكون أضعف مما كان عليه خلال سنوات الانكماش الكئيبة التي امتدت من 2000 إلى 2013. وتوقعات الصندوق بنسبة نمو مقدارها 0.65? من 2018 إلى 2020 تعني أن خطة اليابان للنمو تتطلب مراجعة جادة وسريعة. ولاستعادة الزخم للاقتصاد الياباني، يحتاج «آبي» إلى ذلك النمط من الجسارة الذي أظهره في مواضع أخرى. فقيامه بتعزيز تحسيناته الهيكلية سوف يوفر للشركات اليابانية حافزاً يدعوها لرفع مستوى الأجور لديها. كما يحتاج «آبي» لتنبيه المديرين التنفيذيين للشركات، وتحذيرهم من عواقب بخلهم وكشف أسمائهم علناً أمام الرأي العام. وأكثر من ذلك، مطلوب منه فرض ضرائب على الأموال المتراكمة بصورة مبالغ فيها، وتقديم الحوافز للشركات لتحويل العاملين بنصف دوام بأجور منخفضة، إلى عمالة دائمة تتقاضى رواتب جيدة. ففي نهاية المطاف، كلما زاد عدد الشركات التي تستثمر في العمالة، وزيادة الإنتاجية، والأسواق الجديدة، كلما زاد ذلك من السرعة التي ستنمو بها اليابان، وكلما زاد ذلك من أرباحها هي. لقد أضاع آبي 31 شهراً في انتظار قيام المديرين التنفيذيين للشركات بعمل الشيء الصائب دون أن يحدث شيئا، وقد حان الوقت لدفعهم، ومعهم أسواق العمل الضيقة في اليابان، للمزيد من الفاعلية. ويليام بيسيك كاتب مقيم في طوكيو ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوسب وبلومبيرج نيوز سيرفس»