لن يجد المرء عند أوباما إجابةً عن أي شيء يتعلق بالصفقة النووية الإيرانية إلا عبارة واحدة: «المحافظون الجدد»! وأنا لا أبالغ إلا قليلا. فمنذ أن اتفقت الولايات المتحدة والقوى الدولية الخمس الشهر الماضي على بنود يقصد بها رفع العقوبات عن إيران ومراقبة مسعاها لإنتاج أسلحة نووية، فإن عموداً رئيسياً من أعمدة حجة البيت الأبيض عن الصفقة يستقر على الإشارة إلى معارضي الاتفاق. ودعنا نلقي نظرة على رسالة أوباما إلى النشطاء التقدميين. ففي مكالمة هاتفية جماعية لم يتحدث فيها في الواقع إلا الرئيس، حذر أوباما أنصاره من أنهم سيسمعون «الكثير عن سبب سوء هذه الصفقة ضمن حجج صادرة من أشخاص بصراحة يعارضون أي صفقة مع إيران». ومضى يقول إن الحجج تدعمها حملة إعلانات بقيمة 20 مليون دولار، في إشارة مستترة إلى ضغط تمارسه لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك). وهذا النوع من سياسة مخاطبة غرائز الناخبين من أوباما تسيء لأنصاره. إنه يستغل الخوف العميق لدى قاعدته الشعبية من كل ما يمثله المحافظون الجدد. صحيح أن المحافظين الجدد دعموا عامي 2002 و2003 حرب العراق ودافعوا عنها. لكن وزيري خارجية أوباما، هيلاري كلينتون وجون كيري، فعلا ذلك أيضاً. لكن في عام 2015، مازال كثير من التقدميين البارزين لديهم وساوس من المحافظين الجدد الذين هم خارج السلطة ويحذرون ضمناً من أن المحافظين الجدد يقوضون المصلحة القومية من أجل إسرائيل. وبالنسبة للقاعدة المؤيدة لأوباما فإن المحافظين الجدد ليسوا مجرد مثقفين سياسيين أيدوا حرباً لا تحظى بشعبية بل عملاء قاموا بنوع من الانقلاب على الدولة وجروا الجمهور البريء إلى حرب. ومعظم الجادين لم يعودوا يصدقون هذا. لكن هذه الخرافة الشعبية منتشرة حالياً وسط القاعدة السياسية على الإنترنت! فكل انتخابات تثير احتمال أن جمهوريتنا ستقع تحت سلطة مجموعة من البيروقراطيين غير الأوفياء الحريصين على إهدار الدم الأميركي من أجل إسرائيل. ومع الإيحاء بأنه لا يفصلنا عن وقوع حرب كارثية أخرى في الشرق الأوسط إلا كتابة عدد قليل من أعمدة الرأي، يستطيع الرئيس أن يستفز نشاط المدونين التقدميين والمتطوعين والنشطاء الذين خاب أملهم في سياسته الخارجية. لم يغلق أوباما بعد معتقل جوانتانامو، وتزايد في ظل إدارته استخدام الطائرات التي بلا طيار، وأصبحت شائعة في بلدان مثل اليمن والصومال وباكستان. لكنه يذكر قاعدته الشعبية بأنه الشخص الذي يتصدى للمحافظين الجدد. صحيح أنه من المهارة أن وضع أوباما الاتفاق في إطار تحقيق النصر على العقلية التي حملتنا إلى حرب العراق. فهو ينزع مصداقية خصوم الاتفاق قبل أن يستطيعوا الطعن في الاتفاق. لكن هذا يمثل ما وصفه أوباما ذات يوم بأنه «سياسات الخوف». إنه لا يحذر النشطاء من أن الجانب الآخر ليس منتبهاً بما يكفي للإرهاب، بل يقول فحسب إن خصومه يسعون للحرب وإن السلام لن يحققه إلا سياساته. لكن صفقة إيران ليست معاهدة سلام، إنها اتفاق تنفيذي ينهي حرباً اقتصادية ضد إيران مقابل وعد منها بالسماح بمزيد من الشفافية، ووضع بعض القيود على برنامجها النووي خلال الـ10 أو الـ20 سنة المقبلة. وإيران ليست ملزمة بإنهاء دعمها للإرهابيين أو وكلائهم الذين يقتلون الأميركيين. والواقع أن المنطقة تستعد لصعود إيران. وأوباما وعد ببيع مزيد من الأسلحة لحلفاء الولايات المتحدة. وأقصى ما يأمله أوباما من هذه الصفقة أن ترتدع إيران عن العدوان المستمر في الشرق الأوسط. لكنها لن ترتدع ما لم تر احتمالا كبيراً بأن ترتد الحرب عليها. وربما يجد أوباما نفسه مضطراً لتهديد إيران من أجل السلام في المنطقة. ولن يخبر قاعدة مؤيديه لأنهم خائفون بما يكفي بالفعل. إيلي ليك: كاتب متخصص في السياسة والشؤون الخارجية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»