تدور الوظيفة الاقتصادية لمجلس التعاون الخليجي في النظام الدولي بالأساس حول الطاقة بشقيها، حيث يحتوي باطن أرض الخليج على نصف الاحتياطي العالمي من النفط الخام، وتتعزز هذه النسبة باستمرار، وسط تعزز الاحتياطي النفطي العربي برمته، حيث قفز من 50 مليار برميل عام 1950 إلى 120 مليار برميل عام 1960، ثم 250 ملياراً عام 1970، وإلى 370 ملياراً عام 1980، و650 مليار برميل عام 1990، ثم 700 مليار عام 1993، وإلى 800 مليار برميل عام 2000، وها هو الآن يقترب من مستوى تريليون برميل. والاحتياطي النفطي السعودي مثلاً يبلغ ثلاثة أمثال نظيره لدى الولايات المتحدة الأميركية والمكسيك مجتمعتين، وأكثر من أربعة أمثال احتياطي فنزويلا، وهي أحد أهم البلدان المصدرة للنفط في العالم، وأيضاً أكثر من أربعة أمثال نفط روسيا الاتحادية ودول أوروبا الشرقية معاً. ثم ظهرت احتياطيات هائلة من الغاز الطبيعي في قطر، احتلت بها المركز الثالث عالمياً بعد روسيا وإيران، علاوة على وجود احتياطيات من الغاز في سلطنة عُمان، الأمر الذي يزيد من أهمية منطقة الخليج، ويعزز وظيفتها الاقتصادية في العالم. ولا تقتصر الوظيفة الاقتصادية لـ «التعاون» على صادراته من النفط والغاز، بل تمتد، وفي الاتجاه المضاد، إلى حجم استهلاكه من السلع المعمّرة والترفيهية. فالوفورات المالية الكبيرة الناتجة عن عائد بيع النفط والغاز، جعلت من دول المجلس، على رغم قلة عدد سكانها قياساً إلى دول وتجمعات إقليمية أخرى، قبلة تتجه إليها أنظار الدول المتميزة في إنتاج السيارات الفارهة، وأجهزة الحاسوب والهواتف النقالة المتقدمة، علاوة على أدوات الزينة والعطور والأثاث.. الخ. وهذه الأوضاع الاقتصادية لبلدان الخليج العربية جعلتها تواجه موقفين دوليين متناقضين، توزعا على سياستها الخارجية وقراراتها الدولية على مدار العقود الأخيرة، بشكل لافت للانتباه. ويمكن تلخيص هذين الموقفين في الآتي: 1- الخليج كمكان أولى بالحماية: فمصالح الدول الكبرى، وفي مطلعها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، تعاملت مع دول مجلس التعاون الخليجي دوماً بوصفها تحتاج إلى دعم وحماية، نظراً لأن خمساً منها تعد دولاً صغيرة من حيث عدد السكان، وغير قادرة على مجابهة الجارة الإقليمية الكبرى إيران، وكذلك العراق أيام صدام حسين. وقد تأكد هذا المسلك عقب الاجتياح العراقي للكويت في أغسطس من عام 1990، وفي وقتها توجست هذه الدول من أن تمتد أطماع صدام إلى منطقة الخليج كلها، ووجدت أنه ليس بوسع الكويتيين أن يحرروا بلادهم بالاعتماد على سواعدهم وحدهم بحكم حجم عدد السكان، وفي الوقت ذاته، ليس بإمكان بقية دول المجلس وحدها أن تواجه الجيش العراقي القوي آنذاك. ورؤية الدول الكبرى تلك تجد تفاعلاً إيجابياً من قبل بعض النخب الحاكمة والمثقفة في الخليج، التي ترى أنه لولا تخوف الجيران الإقليميين الكبار من غضب أميركا وحلفائها لربما فكروا في ممارسة ضغوط متوالية على دول «التعاون» لدفعها إلى تقديم تنازلات على حساب أمنها القومي، ومصلحتها الوطنية. 2- الخليج كمكان أولى بالطمع: وتعززت هذه الرؤية بعد استخدام دول الخليج النفط سلاحاً في وجه من ساعدوا إسرائيل في حرب أكتوبر من عام 1973، فبعدها فكرت واشنطن، كما بيـّـن ريتشارد نيسكون في كتابه الشهير «انتهزوا الفرصة» في أن تمدد نفوذها في المنطقة، وتبني أنماطاً من العلاقات القوية مع دولها، بما يمنع صدور مثل هذا القرار في المستقبل. وقد انتهت هذه الأطماع إلى احتلال العراق، إذ من بين أهداف هذه الخطوة وضع الولايات المتحدة وحلفائها أياديهم على النفط، والتحكم فيه، بما يجعلها تتحكم في مصير الدول الصناعية الكبرى، وتضغط من الآن على أي قوة عالمية محتملة، تفكر في منافستها، وسحب البساط من تحت أقدامها. وهذه الأطماع لم تقتصر على هؤلاء بل إن الاتحاد السوفييتي السابق كان أيضاً يضع عينيه على نفط الخليج، وقد فسرت بعض أسباب اجتياحه أفغانستان، برغبة موسكو في الوصول إلى المياه الدافئة في المحيط الهندي على مرمى حجر من بحر العرب والخليج، أي المنطقة القريبة من منابع النفط وأماكن تصديره. وإذا كان الاقتصاد قد أوقع دول مجلس التعاون بين هاتين العمليتين المستمرتين، فقد ساهم على الوجه الآخر في منح هذه الدول قدرة على التحرك في المحيط الدولي، والتأثير على القوى الكبرى، ومناورتها بحنكة وروية شديدة.