عندما يبادرني شخص ما بالتعبير عن دهشته من أن حملات الإنقاذ المالية لليونان لم تحقق أي فائدة للمواطنين اليونانيين، أشعر بأن مناقشة هذا الموضوع أمر مسلٍّ. ويحضرني مثال واضح يتعلق بما كتبته صحيفة «نيويورك تايمز» مؤخراً حين قالت: «لا تأتي أموال الحملات الإنقاذية إلى اليونان إلا لتخرج منها مرة أخرى. وتُعتبر الهجرة الجماعية للأموال النقدية مجرد جزء صغير من لغز كبير يكمن في التساؤل: لماذا تزداد حالة الاقتصاد اليوناني تردّياً وتغرق اليونان في المزيد من الديون رغم حملتين دوليتين لإنقاذها مالياً؟». ولقد أثبتت حالات إنقاذ مالي لا حصر لها على مستوى العالم خلال العقود الأخيرة، أنها لا تمثل انحرافاً عن الهدف المقصود منها. لذلك يكون من الأفضل متابعة مصير الأموال الإنقاذية بدلاً من قراءة عناوين الصحف. وبهذه الطريقة وحدها يمكنك العثور على المستفيد الحقيقي منها. في الحالة اليونانية، لم يكن الشعب اليوناني هو المستفيد، ولا حتى البنوك اليونانية. وتنطبق هذه الحقيقة على المواطنين الإيرلنديين أيضاً. ولعلك سمعت بمصطلح «الضرر الأخلاقي» الذي شاع استخدامه أثناء الأزمة المالية الأخيرة. وهو يشير باختصار إلى الحملات الإنقاذية التي يغامر بها مضاربون متهورون عندما يطرحون في الأسواق أموالاً إنقاذية غير مضمونة العوائد. وهنا نتذكر المعاناة المريرة لحَمَلة الأسهم والسندات في الولايات المتحدة بسبب قراراتهم الاستثمارية غير الحكيمة. وفيما كان الفشل هو المصير الذي آلت إليه معظم الحملات الإنقاذية الحكومية عقبت تعثر بنك «ليمان براذرز»، أثبتت بعض المبادرات الاستثنائية نجاحها، ومنها تلك التي أسهم بها «المجلس الفيدرالي لتأمين الودائع المالية» عندما أطلق حملات إنقاذية فعالة استفاد منها المتعاملون مع البنوك، وأنقذت المدخرات المالية الاستثمارية لحملة الأسهم والسندات. ومن الخطط الإنقاذية التي اعتمدتها الخزينة الفيدرالية الأميركية تحت مسمى «سياسة سعر الفائدة الصفري»، والتي تتلخص بمنح البنوك قروضاً معفاة من الفوائد لمدة تسع سنوات من أجل إنقاذ البنوك المتعثرة. إلا أن تطبيقها أثبت بعض الفشل الذي لم يكن في الحسبان بسبب الزيادة غير المتوقعة في قروض الرهن العقاري المتعثرة التي عانت منها البنوك. ونعلم الآن بأن الشركات الفاشلة تلجأ في نهاية المطاف إلى إعلان إفلاسها. لكن هناك استثناءات لهذه القاعدة، ومنها أن يكون لمدرائها التنفيذيين صداقات مع شخصيات بارزة في الكونجرس، كما كان عليه حال شركة «كرايسلر» عام 1980، أو أن يكونوا أعضاء في قيادة الأركان المشتركة للجيش الأميركي، كما كان عليه حال شركة «لوكهيد» أثناء أزمتها المالية عام 1972، أو من كبار موظفي الخزانة الفيدرالية. وبالعودة إلى الحالة اليونانية، نلاحظ أن الأموال الإنقاذية كانت تتدفق أساساً من الحكومات الأوروبية وصندوق النقد الدولي، ويتم تحويلها إلى المقرضين التابعين للقطاع الخاص خارج اليونان. ونحن الآن نطلق على هذه العملية مصطلح «حملة الإنقاذ اليونانية» لسبب بسيط، فلو أننا أطلقنا عليها مصطلح «إنقاذ البنوك الألمانية من نتائج سياسة الإقراض الحمقاء التي اتبعتها»، فمن سيقبل بالمساهمة في دعمها؟ والآن، توحي لنا بوصلتنا الأخلاقية بأن حملات الإنقاذ يجب ألا توظف لمصلحة المقرضين المتهوّرين وفاقدي القدرة على تحمل المسؤولية. باري ريثولتز: مؤسس «مركز ريثولتز لإدارة الثروات» في نيويورك ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»