تناقلت بعض القنوات التلفزيونية العربية والعالمية خبراً مأساوياً كل المأساوية ومحزناً كل الحزن، ويتحدد في أن طفلاً صغيراً جرى حرقه في بيته الكائن قرب نابلس بالضفة الغربية بفلسطين، وذلك على أيدي مستوطنين يهود يحملون كل أثقال الأيديولوجيا العرقية الإجرامية، إنه حقاً لحادث يُضني القلب ويستفز طاقات البشر. وفي هذه الحال يتساءل المرء عما إذا كان هذا الحدث وأمثاله ما زال محتملاً وراهناً، وينكفئ المرء على نفسه، ليفكر فيما إذا كان ذلك وحيد عصره وحادثاً لا يتكرر مثله في زمننا، ليجد نفسه أمام سؤال تضعه الإجابة عنه أمام أكثر الأحداث وحشية وبربرية وهي تلك التي يعيشها وطنه العربي في مرحلتنا المعيشة وفي ما يقارب نصف أقطاره تقريباً. وفي الحدث القائم علمنا أن الرئيس الفلسطيني رفع هذا الفعل الشائن إلى محكمة الجنايات الدولية بهدف إدانته دولياً والاقتصاص من فعلته الصهاينة الذين يلتقون بإجرامهم الهائل مع كل القوى الإرهابية التي عرفها ويعرفها العالم أجمع. وإنه لشديد الوقع والخطورة الوجودية أن يجد المرء نفسه في الحادث المذكور وأمثاله أمام معالم تسونامي جديد، قد يُطيح بالأخضر واليابس على مستوى العالم كله، إلا أن العار الأعظم سيلف مقترفي العنف من كل شكل ولون، متسائلاً: من أنتم وإلى أين؟ ولعل الخصوصية الجديدة في ذلك تكمن في التقاء فظيع فريد تكمن بين ما أعلن عنه، في حينه، المفكر النهضوي نجيب عازوري في كتابه «يقظة الأمة العربية»، حين كتب: إن ظاهرتين مهمتين متشابهتي الطبيعة بيد أنهما متعارضتان.. أعني: يقظة الأمة العربية، وجهود اليهود الآتين -الصهاينة- كمحتلين ومستوطنين.. ومصير هاتين الحركتين أن تتعاركا باستمرار حتى تنتصر إحداهما على الأخرى. وإذا كان ذلك صحيحاً حتى مرحلتنا هذه، إلا أن معطيات جديدة قد ظهرت في العالم العربي، بحيث إن كلامنا ذلك، وإن ظل محتفظاً بكثير من مصداقيته، إلا أن عوامل أخرى جديدة دخلت عليه في بنية الواقع العربي الراهن. أما أهم تلك المعطيات فقد تمثل في تحول معظم العالم العربي إلى أراضٍ خصيبة لما يطلق عليه «الدولة الشمولية» وتأتي هذه الأخيرة بمثابة «سلطة» شمولية جديدة في البلد العربي الواحد، تسعى إلى إفساد من لم يُفسد بعد من القوى السياسية والمنظمات المدنية وغيرها بحيث يتحول الجميع إلى مُفسدين تحت الطلب، أي تحت القبضة الشمولية القائمة، والتي أنيطت بها مهمتان كبريان: أما أولى هاتين فتتمثل في تدمير كل مظاهر الدعوة إلى مشروع عربي تحديثي ديمقراطي منذ سقوط الطبقات الوسطى والمشاريع الوطنية في مرحلة «الدعوة إلى التحرر العربي الجديد» وهيمنة سلطات شمولية هنا وهناك، مع قوانين طوارئ جديدة قاطعة! وتأتي المهمة الثانية لتتمثل في ضرب الهبَّات أو المحاولات الجديدة أو الانتفاضات الشعبية في عدد من البلدان في العالم العربي ضمن التصدي لـ«ربيع عربي» يستمد مرجعياته من الخارج. وفي هذه الحال التي غدت معقدة ومركبة وخطرة في مساراتها، راح أولئك القيمون على تدمير سوريا عبر يافطات طائفية وإثنية وعرقية.. إلخ، يتابعون في طريق التدمير، بحيث إن قتل الطفل الفلسطيني الحبيب أصبح حدثاً يفكر الاحتلال في إمكانية مروره لانشغال الإعلام في مخاضات فوضى «الربيع العربي»، والعودة إلى عهد الساحات المفتوحة أمام «القَسَم» بأن «ربيعاً أو مستقبلاً عربياً جديداً» لن يكون أبداً ممكناً، طالما أن أبديات التاريخ لن تُطيح بهم ولن تُفضي بهم إلى «مزابل التاريخ».