حضرت منذ أيام مقابلات استقطاب بعض المواطنين الجامعيين المرشحين للعمل في إحدى الجهات البحثية المتميزة في تخصصها، ليس على المستوى المحلي فقط بل على الصعيدين الإقليمي والعالمي، كما أن نسبة التوطين في تلك الجهة تتجاوز 90%، بما فيها المناصب القيادية. وقد لاحظ مدير عام تلك الجهة، والذي يحرص على حضور هذه المقابلات شخصياً أسبوعياً، أن المتقدمين يبحثون عن عمل منذ ثماني سنوات. وكانت المفاجأة الكبرى عندما قالت إحدى المواطنات: إن تلك كانت المقابلة الوظيفية الوحيدة التي تم استدعاؤها لها منذ سبع سنوات، رغم أنه ليس لديها (واسطة) في تلك الجهة الحكومية. وقد تميزت المقابلات بمناخ من الود والشفافية وتناولت المهام الوظيفية المتوقعة وبيئة العمل ومميزات الوظيفة. وقد استطاع مدير عام تلك الجهة بث طاقة إيجابية كبيرة أثناء المقابلات مما أعطى المرشحين للعمل دافعاً قوياً للالتحاق بتلك الجهة؛ حيث كانت كلماته واضحة ومشجعة، وأسدى النصح للمتقدمين في عدة مجالات كما أوضح لهم المحاذير التي يجب أن يتجنبوها في حال تم قبولهم. ومن تلك المحاذير اللامبالاة والتقاعس الوظيفي وإثارة الشائعات والاتكال على الآخرين في إنجاز المهام وغيرها من السلوكيات المهنية الخاطئة. وقد دار بيني وبين مدير عام تلك الجهة حديث قصير عقب المقابلات، تركز حول التوطين وهموم المواطنين العاطلين عن العمل. فمما لاشك فيه أن المشاريع التنموية في الدولة تتزايد مما يتوقع معه توفر فرص العمل، ولكن الوضع يؤكد خلاف ذلك؛ إذ تنتشر البطالة بين المواطنين بصورة ملحوظة. ولكن اللافت للنظر أنه بالرغم من قدرتنا على تحديد طول الطرق الرئيسة في الدولة، وعدد المسافرين الذين يستخدمون مطارات الدولة سنوياً، وعدد الخريجين المواطنين من مؤسسات التعليم العالي خلال السنوات العشر الماضية، وإجمالي الموظفين المواطنين في القطاع الحكومي، بل استطعنا متابعة وتحليل أثر زيادة أسعار المحروقات على مستويات المعيشة بدقة متناهية نتيجة تحرير أسعار النفط في الدولة مؤخراً، إلا أننا لم نتمكن من معرفة عدد سكان الدولة ونسبة المواطنين منهم، وبالتالي لا نعلم يقيناً عدد المواطنين العاطلين عن العمل. وأصبح غياب الإحصائيات الرسمية أمراً مقلقاً مما دفع للاستناد إلى مصادر خارجية تعتمد على التنبؤات؛ فحسب تقارير منظمة الأمم المتحدة بلغ عدد سكان الدولة في منتصف العام 2014 ما يقارب تسعة ملايين ونصف مليون شخص لم تتجاوز نسبة المواطنين منهم 12%. وفي المقابل كان هناك تصريح رسمي في عام 2013 من رئيس لجنة التوطين في المجلس الوطني الاتحادي حدد فيه نسبة البطالة بين المواطنين بـ13% من إجمالي القوى العاملة. وفي الوقت نفسه تشير تقارير أخرى لنجاح الجهود الحكومية في تخفيض معدلات البطالة من 10,7% إلى 2,6 خلال السنوات العشر الماضية. وانتهى الحديث بيني وبين مدير عام تلك الجهة بنتيجة مفادها أننا أمام معضلة حقيقية تتمثل في غياب أرقام رسمية تساعد على تحليل مشكلة البطالة، وبالتالي تساهم في نجاح استراتيجية التوطين. ولكن في رأيي، إن كانت هناك مشكلة في تطبيق التوطين فيجب ألا يكون هناك عائق في الحفاظ على المواطنين في وظائفهم الحالية من خلال تطبيق عدة وسائل فعالة ضمن ما يمكن تسميته: ميثاق الحفاظ على الموظفين المواطنين. ومن أبرز تلك الوسائل: بث الطاقة الإيجابية من أعلى رأس الهرم الإداري إلى كافة الموظفين المواطنين قبل وأثناء التوظيف، بجانب توفير الوصف الوظيفي السليم، ثم توضيح حقوق وواجبات الموظف المواطن بشكل مباشر قبل التوظيف، إضافة لتوفير بيئة العمل المثلى للإنتاج، ومنح الموظفين المواطنين مكافآت تشجيعية من وقت لآخر، وتوفير التدريب المهني الهادف لتطوير المهارات والمعارف. وفي الوقت نفسه يجب على المواطنين التعهد بالالتزام بالتعليمات ونظام العمل والابتعاد عن إثارة كل ما من شأنه أن يسيء لبيئة العمل المثلى. ومما لاشك فيه أن تبنِّي (ميثاق الحفاظ على الموظفين المواطنين) والتزامُه بينهم وبين جهات العمل سيساهم? ?في? ?ترسيخ? ?الاستقرار? ?الوظيفي? ?للمواطنين? ؛?مما? ?سينعكس? ?إيجاباً? ?على? ?استراتيجية? ?التوطين.?