يعتقد خبراء إقليميون أن الاتفاق العسكري بين الولايات المتحدة وتركيا، الذي تردد الحديث الإعلامي عنه، قد يكون هو أكبر خطوة في مساعي معالجة الأزمة السورية وخطر «داعش» المتصاعد. والاتفاق يسمح للولايات المتحدة باستخدام القواعد الجوية التركية في حملة القصف التي تقودها ضد «داعش» وإقامة منطقة يحظر على التنظيم دخولها على امتداد الحدود التركية شمال سوريا. وإن كان هناك أيضاً من يرى أن هذا الاتفاق قد لا يضمن وحده هزيمة «داعش» ولا يعد بسقوط نظام الأسد، ولا بحل سريع للصراع في سوريا والأزمة الإنسانية الناجمة عنه. ويؤكد مسؤولون كبار من الإدارة الأميركية أن الاتفاق ما زال مجرد خطوط عريضة، لكونه رغم هذا يدخل في الحملة ضد «داعش» تركيا، وهي شريك لطالما ظل متردداً وحاول أوباما لسنوات أن يكسب دعمه كي يلعب دوراً أكبر. وفي هذا السياق أكد «سونر كاجابتاي» مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى أن: «هذه الصفقة تعني أن الفجوة بين الولايات المتحدة وتركيا تتقلص وتلك هي البداية». وبهذه الطريقة يعتبر بعض المحللين السياسيين الاتفاق مع تركيا نقطة تحول في معالجة أوباما للأزمة السورية. وبعد الانتهاء من المفاوضات النووية الإيرانية، وفي ظل سعي أوباما لأن يضيف جديداً لتركته، يعتقد البعض أن البيت الأبيض يركز جهوده الآن على هذا الصراع المدمر الذي تمخض عن أسوأ أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية. ويعتقد «فريدريك هوف» الخبير في شؤون الشرق الأوسط في مركز الأطلسي في واشنطن أن أوباما يريد في الفترة المتبقية له في البيت الأبيض، وهي نحو عام ونصف عام، أن يحقق بعض التقدم في سوريا. وعلى امتداد الصراع السوري، أعطى الرئيس التركي أردوغان الأولوية دوماً للتخلص من نظام الأسد. وتمخض هذا عن تعاون تركي مذبذب مع الولايات المتحدة ضد «داعش». وتردد أردوغان أيضاً في المساعدة في قتال التنظيم بطريقة قد تدعم الأكراد في شمال سوريا. وقد اعتبر البعض في الواقع أن الغرض الحقيقي لتركيا من الاتفاق هو كبح جماح الأكراد على امتداد الحدود. وفي النهاية، فإن ما دفع أردوغان إلى إبرام الصفقة هو سلسلة من الهجمات الإرهابية المدمرة في تركيا نفذتها جماعة حزب العمال الكردستاني الانفصالي، وتفجير نفذه انتحاري من «داعش». ويشير بعض المحللين أيضاً إلى عامل محرك آخر هو التعاون الأميركي المتنامي مع أكراد سوريا الذين حققت قواتهم المقاتلة بعض الانتصارات الحاسمة ضد «داعش» في سوريا. ويؤكد الخبراء أن القرار، باختصار، جاء نتيجة تطور في التفكير التركي، وليس نتيجة تصعيد في الضغوط الأميركية. والمنطقة الجديدة المحظور على «داعش» دخولها تمتد 68 ميلا على الحدود، وهي آخر قسم من الحدود التركية السورية المتبقية في أيدي التنظيم. وقد صرح مسؤولون بارزون من إدارة أوباما، اشترطوا عدم نشر أسمائهم، بأن المنطقة ستكون قطاعاً من الأراضي الحدودية «التي تم تطهيرها» ليسيطر عليها ما تقول الإدارة إنه قوات من المعارضة السورية المعتدلة التي تلقت تدريباً من البنتاجون في تركيا. ويشير محللون إلى احتمال أن تتطور المنطقة لتصبح أكثر من مجرد أراض «خالية من داعش». ويرى «كاجابتاي» أن تكون المنطقة بداية لموطأ قدم يستخدم كنقطة انطلاق للتصدي للتنظيم داخل سوريا، وخاصة إذا ظل الأسد يواصل انكماشه إلى ركن صغير من البلاد على امتداد ساحل البحر المتوسط. وأضاف «كاجاباتي» أنه: «إذا بدأ نظام الأسد يتقلص ليصبح مجرد جيب للعلويين وأصبحت مدن كبيرة مثل حلب ودمشق تحت سيطرة داعش»، فستضاعف الولايات المتحدة هجماتها الجوية، والمنطقة الآمنة بحكم واقع الحال ستتوسع. ويوافقه في هذا الرأي «هوف» الذي أشار إلى أن مدينة حلب الاستراتيجية التي يحتدم الصراع عليها تقع على بعد أميال قليلة جنوبي المنطقة المحظورة. وتصعيد الولايات المتحدة والتحالف للأنشطة في الجو قد يجبر الأسد على إعادة النظر في قصف المدنيين ببراميل القنابل هناك. ويؤكد «هوف» أنه على المدى الطويل قد ينتهي الحال بالمنطقة الآمنة بحكم واقع الحال إلى تمهيد الطريق لتسوية سياسية للصراع السوري. بالتالي فإن «مبادرة واشنطن وأنقرة قد تكون أكثر بكثير من مجرد فصل في الحرب البرية ضد داعش». هاوارد لافرانش: محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»