بدأت للتوّ المنافسات التمهيدية داخل الحزب «الجمهوري» على ترشيحات الرئاسة الأميركية لعام 2016، ولكنها سرعان ما أصبحت مملة وقديمة، أو بصراحة تامة صارت مخيفة. وبصفتي أنتمي للحزب الديمقراطي، فربما أشعر بالسرور، ولكن كأميركي، ينتابني قلق عميق. وأود لو ينتهي ذلك. ويكمن جزء من مشكلة الحزب «الجمهوري» في الإزعاج الذي تمثله كثرة المرشحين، وقد بلغ عددهم حسب الإحصاء الأخير 17 مرشحاً، وكثير منهم يتنافسون على الإدلاء بتصريحات شنيعة تتصدر عناوين الصحف، وتستهدف ذوي الأصول اللاتينية والمسلمين والرئيس أوباما وهيلاري كلينتون، أو يستهدفون بعضهم بعضاً. ويبدو أنهم يشعرون بالحاجة إلى فعل ذلك، ليس فقط لأن «دونالد ترامب» -باعتباره صاحب أكثر التصريحات العدوانية- يواصل جذب انتباه معظم وسائل الإعلام، ولكن لأنه حسبما تظهر أرقام استطلاعات الرأي حول «ترامب»، فإن كثيراً من الناخبين الجمهوريين تروق لهم مشاعر الغضب والإهانة التي يقدمها المرشحون. وبدلاً من إجراء نقاش سياسي جاد، نجد أنفسنا مجبرين على خوض حملة انتخابية ترتكز على الهجوم الشخصي، والتوبيخات الفظة. وخلال الأسبوع الماضي وحده، واصل «ترامب» تحامله وهجومه على «المهاجرين غير الشرعيين»، بينما وصف «تيد كروز» زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ التابع لحزبه بـ«الكاذب» أثناء جلسة المجلس، في حين كان «سكوت ووكر» أكثر لطفاً عندما اتهم زعماء حزبه بتقديم «وعود كاذبة». ومن جانبه، زعم «مايك هوكابي» أن أوباما، باتفاق إيران، يدفع الإسرائيليين إلى أفران الغاز، وانتقد «ماركو روبيو» أيضاً «ترامب» قائلاً: «إن أميركا لا تحتاج إلى رئيس آخر (جاهل) لأن لدينا بالفعل رئيسا كذلك». وبالطبع لدينا الآن مرشحون أصحاب رؤية في الجانب الجمهوري، تستحق أفكارهم أخذها بعين الاعتبار. بيد أن سياساتهم التي يقترحونها لا تحظى باهتمام كبير بسبب التغطية الإخبارية المفرطة للإهانات اللفظية التي يدلي بها منافسوهم. ولم تعقد بعد المناظرة الأولى للمرشحين الجمهوريين، وغذى السباق إلى ذلك الحدث مشكلة الإفراط في التصريحات. ونظراً لوجود كثير من المتنافسين الجمهوريين، قررت «فوكس نيوز»، التي تستضيف المناظرة الأولى، بصورة اعتباطية أنها ستدعو فقط المرشحين الذين يحتلون المراتب الـ10 الأولى في استطلاعات الرأي. ومن ثم تركت أصحاب المعدلات المنخفضة في استطلاعات الرأي، الذين يشعرون بأنهم في حاجة لاستخدام الإهانات أو التصريحات المثيرة من أجل جذب انتباه الصحافة اللازم لرفعهم ضمن العشرة الأوائل. وعلى رغم أن وسائل الإعلام ملومة بسبب تغطية السلوكيات السيئة للمرشحين، و«فوكس» مخطئة بسبب عرض منافسة «الأمر الواقع» بين «من يستطيعون الإدلاء بأفحش التصريحات»، إلا أن المشكلة الجوهرية تكمن في القاعدة التي أصبحت الآن تشكل «الحزب الجمهوري». وبالتأكيد، هذا لا يمثل تطوراً جديداً منذ أن شاهدناه يحدث في الجولات الانتخابية القليلة الماضية. وقد بدأ ذلك التطور في عام 2008 عندما توالت تداعيات مجموعة الصدمات التي تضمنت التراجع الاقتصادي وإدراك حقيقة أن أميركا فقدت أرواحاً وأموالاً وهيبتها في حربين فاشلتين، وإمكانية انتخاب (اتباعاً للواقع) رئيس أسود، عدداً كبيراً من الشباب البيض التابعين للطبقة المتوسطة وجعلتهم يفقدون صوابهم. ووسط دهشتهم، سقطوا فريسة للغوغائية التي ينتهجها سياسيون مثل «سارة بالين» و«ميشيل باتشمان» و«نيوت جينجريتش» و«هيرمان كين». وهذه الشخصيات كافة مهدت لصعود حزب «الشاي». وحينئذ، حذر بعض الجمهوريين المسؤولين من وجود وحش ينمو، سيهاجم أولاً الرئيس والديمقراطيين، ولكنه في النهاية سينقض على «الحزب الجمهوري» نفسه، ويلتهمه أيضاً. ولم يلقِ الحزب بالاً لهذه التحذيرات، وغذى وحش الغضب والإحباط، اعتقاداً منه أنه سيتمكن من تحويل هذا التمرد إلى انتصار. بيد أن التحذيرات ثبتت صحتها. وفي أنحاء الولايات المتحدة تعرض الجمهوريون المعتدلون للهزيمة في الانتخابات من قبل مرشحي حزب «الشاي»، ووجدت مؤسسة «الحزب» نفسها تخسر سيطرتها على القاعدة. وبدا هذا المسلسل الدرامي واضحاً من خلال كثير من المناظرات التي شكلت منافسة الحزب الجمهوري التمهيدية في عام 2012، حيث تعرض المرشحون الأذكياء وأصحاب الرؤى المستنيرة مثل «جون هانتسمان» للهزيمة من قبل أصحاب التصريحات الغريبة الذين لعبوا على وتر الأغلبية. ورغم فوز «ميت رومني» في النهاية بالحق في تمثيل حزبه -بعد أن أثبتت أمواله وتأييد المؤسسة الحزبية قدرتهما على مواجهة المتمردين- إلا أن ما حدث لـ«رومني» خلال المنافسة قوض فرصه في الفوز بتذكرة دخول البيت الأبيض. وقد زعم البعض أنه لو أن «ميت رومني» خاض انتخابات 2012 باعتباره حاكماً جمهورياً معتدلاً لولاية «ماسوشوسيتس» فلربما كان قد فاز بالرئاسة.