الإمارات دولة متطورة بكل ما في هذه الكلمة من معنى على المستوى العالمي، فهي اليوم تتبوأ المراتب الأولى والمتقدمة عبر الكثير من المقاييس العالمية المعتمدة، ففي السعادة لنا قصب السبق، وفي الجودة لا نحتاج إلى شهود، وفي التقنية الذكية أنظر إلى مشروع الحكومة الذكية برمته. هذه هي الإمارات من دون تفاصيل أكثر، لأنها معروفة في مظانها، وجاء اليوم لكي تذهب في سلم التطور والتقدم خطوة أخرى باتجاه الاقتصاد في بعده العالمي، كما في العالم الحر اقتصاده حر ومحرر من كثير من عقبات التنمية الذاتية. فقبل إعلان الدولة رسمياً عن قرارها الجديد تحرير أسعار الطاقة بكل أنواعها، ضربت الناس أخماساً في أسداس، ووضعت أجهزة الحاسب الآلي لتذهب في توقعاتها للزيادة المرتقبة فوق الخيال، فرد الفعل المحسوب بأرقام خيالية، طبيعي أن يأخذ منحى سلبياً منذ البداية. وهكذا بعض الناس دائماً على عجل في استخراج النتائج بالسرعة الفائقة قبل أن تتضح صور المشاريع المستقبلية، سواء كانت على هيئة قوانين أو تشريعات. قبل أن نصدر الأحكام المسبقة على بعض القرارات المحلية التي تخدم مصلحة الوطن بالدرجة الأولى، خاصة في اقتصاده وهو العمود الفقري لحركة تنمية الوطن نحو آفاق الغد بدل الحبس في جدران ما كنّا عليه وما يجب أن نكون عليه في نظرة فلسفية تتجاوز الواقع إلى صفوف الأحلام الوردية، بدل التفكير بمنطق الواقع الذي يلف العالم قبل أن يلفنا. تحرير أسعار الطاقة في أي بلد أو لأي سلعة عبارة عن عملية تدوير للثروة الوطنية من المال في مجالات يكون الوطن أحوج إليها في هذا الزمن مقارنة بالعقود الماضية. لا شك أنّ المليارات التي ستتوافر من تحرير أسعار الطاقة لها دور في إعادة تدوير الاقتصاد الوطني في مجالات أخرى تعود بالنفع مرة أخرى على الفرد أو الإنسان الذي يعيش في نعيم هذا الوطن الدائم. فهذا النهج الاقتصادي الجديد جزء من عملية التنمية المستدامة التي تتعلّق مباشرة بالحفاظ على الثروة الوطنية إلى أقصى مدى، والانتقال إلى موارد للطاقة نظيفة بالتدرج، سواء كانت الطاقة الشمسية أو الطاقة النووية الباردة أو غيرها من مشاريع اخضرار البيئة في تفاصيلها الحيوية كافة، فالهدف من هذا التحرير المدروس مستقبلي وليس آنياً، فزيادة قدرها 42 فلساً على اللتر الواحد من الجازولين ليست بالأمر العصيب ولا تحتاج إلى خيال واسع خصب حتى يستمر البعض في الولولة والتأفف. لقد ذهب الكثيرون منّا إلى الدول الغربية لأكثر من هدف وعاش فيها أشهراً وسنوات ولم يتأفف يوماً من ارتفاع أسعار الطاقة هناك، وقد كان يملأ خزان الوقود في بريطانيا على سبيل المثال بمبلغ يتجاوز الثمانمائة درهم في المرة الواحدة وكأنّ شيئاً لم يحدث، وقس على ذلك بقية دول العالم المتقدم والتي تبنت هذه السياسة الاقتصادية منذ فترة طويلة، بل منذ تأسيسها واستقلالها التاريخي. وما يحز في النفس أنّ بعض المثقفين الذين لديهم معرفة عامة بقضايا الاقتصاد ذهب في تفكيره سلباً، بدل أن يتريث ويبحث الأمر من الناحية الموضوعية البحتة، وهو جزء من عملية الاستعجال والتسرع في التعامل مع الأمور الجادة في الدول. بعد إعلان الدولة أسعارها الجديدة لموارد الطاقة، يفترض أن يقوم الإعلام المحلي بدور الرقيب الرشيد على أسعار السلع التجارية حتى لا يُصبح هذا التحرير مبرراً لرفع الأسعار على كاهل المحتاج إلى تحرير التجار لأسعار سلعهم لصالح مصلحة الوطن أولاً، لأنه أعطى هذا القطاع طوال العقود الماضية كل شيء، ولقد آن الأوان أن نسمع عن تخفيضات دورية للمواد الاستهلاكية للجمهور كبادرة حسن نية وتطمين الناس على أن نمط حياتهم لن يتغير بالتحرير، بل يتحسّن.