تكتسب تقنية المعلومات والبيانات والتعاملات من خلال الأجهزة الذكية أبعاداً اقتصادية واجتماعية وثقافية متزايدة، مما يؤثر على مختلف مناحي الحياة، وينعكس على التقدم الاقتصادي والاجتماعي من جهة، وعلى حياة الناس من جهة أخرى. فكلما كانت وسائل الاتصالات متاحة لأكبر شريحة اجتماعية وبأسعار مناسبة، كلما أمكن إشراك أعداد أكبر في المعاملات العامة، وأُتيح تخفيض التكاليف وتخصيص موارد أكبر للتنمية، وكذلك التقليل من التلوث للحفاظ على البيئة. انطلاقاً من هذه الحقائق، تسعى العديد من البلدان والتكتلات الاقتصادية لتوفير وسائل الاتصال الحديثة والذكية لمواطنيها ليس في نطاق وطنهم الأم فحسب، وإنما على أوسع نطاق ممكن بالاتفاق والتعاون مع البلدان الأخرى، مما أدى إلى أن يتخذ الاتحاد الأوروبي مؤخراً قرار مهماً يقضي بإلغاء رسوم التجوال الدولي وتصفح الإنترنت أثناء تنقل مواطنيه داخل البلدان الأعضاء في الاتحاد اعتباراً من عام 2017 على أن تبدأ التخفيضات اعتباراً من أبريل من العام المقبل، مما سيحول دول الاتحاد إلى سوق رقمية واحدة، وهو تطور مهم لعملية الاندماج والتكامل الاقتصادي. وفي هذا الصدد، وضعت ضمانات لعدم التمييز بين الدول الأعضاء، تلك التوجهات والضمانات التي وضعتها المفوضية الأوروبية ولاقت تأييداً قوياً وكاملاً من قادة الاتحاد في قمتهم الأخيرة في شهر يوليو الماضي، مما يعني أنها ستجد طريقها للتنفيذ في الأوقات المحددة لها. ونظراً لوضوح الرؤية، فإن المؤسسات الاتحادية أقرت هذا الاتفاق بسرعة قياسية، حيث قال «انسيب اندراوس» نائب المفوضية الأوروبية للسوق الرقمية «إن الفواتير المرتفعة التي تخرب ميزانية العطلات ستكون قريباً من ذكريات الماضي». أما «جونتر اوتينجر» المفوض المكلف بشؤون الاقتصاد الرقمي بالمفوضية، فقد قال: «إن هذا الاتفاق أمر ضروري للمستهلكين والشركات في المجتمع، وفي الاقتصاد الرقمي الأوروبي». وهنا يكمن بيت القصيد، أي أهمية ذلك للاقتصاد الرقمي المتنامي، حيث تتم الكثير من المعاملات المالية والتجارية من خلال الأجهزة الذكية، وفي غضون دقائق محدودة، مما سيسهل من التوسع من استخدام هذه الأجهزة ويزيد من سرعة انتشار الاقتصاد الرقمي، مع ما يتبع ذلك من انعكاسات إيجابية كبيرة على التنمية في دول الاتحاد. في المقابل، حققت دولة الإمارات قفزة كبيرة في التحول من الحكومة الإلكترونية إلى الحكومة الذكية لتحتل مدنها المرتبة الأولى عالمياً في استخدام الخدمات الذكية، حيث اعتمد الاتحاد الدولي للاتصالات مدينة دبي، كمقياس المدن الذكية بالعالم لتطبيق مؤشر أداء المدن الذكية، لتكون دبي مرجعاً دولياً في هذا المجال، وهو إنجاز بكل المقاييس، وسيساعد دول مجلس التعاون الخليجي الساعية للاستفادة لنشر التعاملات الذكية فيها. والحقيقة أن البنية التحتية لمثل هذه التعاملات متوافرة ومتطورة في دول المجلس كافة، إلا أن الأمر بحاجة لقرارات سريعة وتنفيذها في الفترة القادمة لإيجاد سوق رقمية خليجية موحدة، كما أن ذلك بحاجة لإلغاء رسوم التجوال والتصفح على الإنترنت بين دول المجلس التي تعتبر مرتفعة، علماً بأن النطاق الجغرافي الخليجي أقل كثيراً من مثيله الأوروبي. وفي هذا الصدد، يمكن للأمانة العامة لدول المجلس أن تلعب دوراً محورياً، وذلك بإنشاء مؤسسات خليجية مشتركة مختصة بالاقتصاد الرقمي والسوق الرقمية الموحدة، إذ لا يمكن في الوقت الراهن العمل بعيداً عن مثل هذا التوجه، الذي يمكن أن يساعد على الإسراع في استكمال مقومات السوق الخليجية المشتركة. وإلى جانب الأمانة العامة، فإنه يمكن لشركات الاتصالات في دول المجلس أن تلعب دوراً مهماً من خلال تجاوبها لخفض تكاليف التجوال وتصفح الإنترنت، ومن ثم إلغائها لتحويل الدول الست إلى سوق رقمية واحدة، إذ سيكون لمثل هذه السوق انعكاسات اقتصادية إيجابية كبيرة، وسيساهم مساهمة فعالة في انتشار الاقتصاد الرقمي في دول المجلس، حيث تعتبر دولة الإمارات نموذجاً للفوائد التي يمكن جنيها من مثل هذه التسهيلات، وهذا التوجه المهم لمستقبل التنمية في دول مجلس التعاون الخليجي.