من الحقائق البديهية المتعلقة بالبيئة، أن صناعة الفحم يجب أن تغلق أبوابها من أجل إنقاذ الكوكب. ولكن إغلاق المناجم، ومحطات توليد الطاقة، التي تعمل بالفحم، ينطوي على أكلاف بشرية باهظة، حيث يؤدي لتدمير مصادر رزق مئات الآلاف من البشر، وإفقار عشرات المجتمعات المحلية. وهؤلاء الذين يعملون من أجل موت صناعة الفحم، يتخيلون ما يطلقون عليه «انتقال عادل» من الكربون إلى الطاقة النظيفة، يشتمل على شبكة أمان اقتصادي للعمال، والمجتمعات المحلية المتضررة. ولكن ما حدث على أرض الواقع، هو أن خطط «الانتقال العادل» في الولايات المتحدة التي يقدمها عادة أكاديميون يتقاضون مكآفات عالية، ومجموعات بيئية ذائعة الصيت، مثل «نادي سييرا»، تقترح شبكة تأمين متقشفة، سيسقط الكثير من الناس من بين ثغراتها حتماً. معظم هذه الخطط تحتوي على عبارات ومصطلحات مبهمة، تدور حول الاحتفاظ بالوظائف، وبرامج إحلال وظيفي، أو برامج لإعادة التطوير، كما لا تخلو من تقديرات غير مثبتة عن عدد الوظائف مرتفعة الأجر التي ستولدها الطاقة النظيفة في حد ذاتها. وكل ذلك جيد ولكنه ليس كافياً. فالمشكلات تبدأ عند التركيز على سياسة «إعادة التدريب» التي يمكن القول: إن لديها سجل نجاح أقل من المتوسط في أفضل التقديرات، وذلك إذا كان المقصود بها هو احتفاظ الطبقة الوسطى بدخولها المادية، ونمط حياتها. «إعادة التنمية الاقتصادية»، قد تمثل سراباً أكثر من كونها حلاً بالنسبة ل«العمال المرحلين». ففي محطة «هانتلي» لتوليد الطاقة التي تعمل بالفحم والواقعة بالقرب من «بافالو»، نيويورك، يعرف العمال أن وظائفهم معرضة للخطر، نتيجة لإجبار الشركات على التحول لبدائل أكثر نظافة. إذن ماذا يشبه هذا «الانتقال العادل»؟ بادئ ذي بدء، وكنقطة أساسية يجب أن يتم منح عمال قطاع الفحم، وغيرهم من العمال العاملين في صناعات الكربون، التي سيتم جدولة خروجها من الإنتاج، وظائف بديلة بنفس الأجر الذي كانوا يتقاضونه في وظائفهم الأصلية، وفي حالة عدم إمكانية ذلك، يجب أن تكون دخولهم ومدفوعات معاشاتهم التقاعدية متساوية مع ما سيفقدونه خلال فترة حياتهم. على الرغم من أننا يمكن أن نجادل بشأن الأرقام المتعلقة به، إلا أن «الانتقال العادل» أكثر كلفة من المبالغ التي تم الحديث عنها حتى الآن. ف«مركز التقدم الأميركي» يوصي بإنفاق مبلغ يقدر بـ 500 مليار دولار في العام، لإستبقاء جميع العاملين في صناعات الوقود الأحفوري في وظائفهم، بيد أن المركزي لايحدد المدى الزمني الذي سيتم فيه هذا الإنفاق. أما ميزانية إدارة أوباما لعام 2016 فتخصص مبلغاً زهيداً مقداره 55 مليار لتسهيل عملية الانتقال للطاقة النظيفة، موزعا على عدة مجالات هي: استثمارات خلق الوظائف، والتنمية الاقتصادية في المجتمعات المتضررة بقوة، والتدريب على الوظائف. المبالغ الراسخة بصرف النظر عن أي شيء مبالغ ضخمة حقا، ولكنها ليست سوى البداية في الحقيقة. لأن أي برنامج كاف يجب أن يتضمن أيضاً استثمارات مجتمعية كبيرة، لتخفيف الأثر المترتب على الضرائب، وعلى بقية المشروعات، عندما تختفي صناعة بأكملها. هناك المئات من المجتمعات المحلية الأميركية التي تعتمد اقتصاداتها على الفحم، وحتى عندما يتم منح العمال المرحلين من تلك الصناعة إلى صناعات أخرى وظائف بديلة، أوالمحافظة على دخولهم، فإن الخسائر الاقتصادية لتلك المجتمعات سوف تكون كبيرة، وطويلة الأمد. وعندما نضع في حسباننا تكاليف إعادة التنمية في مواقف مشابهة، ونضربها في عدد المجتمعات، لمدة عشرين سنة، فإننا سنتحدث في هذه الحالة عن تريليونات الدولارات. هذه المبالغ أبعد ما تكون عن المراغة: ففي عام 2014 فقط كان الاقتصاد الأميركي يساوي17.7 تريليون دولار. وبزيادة طفيفة في نسبة النمو يمكن أن يصبح هذا المبلغ أكبر بكثير، خلال العقود القادمة. وتكلفة الانتقال العادل البالغة 4 تريليون إلى 7 تريليونات على مدار العقدين القاامين هي تكلفها ممكن تحملها تماما. بالإضافة إلى أن معظم تلك الدولارات سوف ينتهي بها الأمر إلى أن تنفق، وهو ما سيولد المزيد من الأنشطة الاقتصادية. وستكون هناك طرق أقل إيلاما بكثير، لدفع جزء من الفاتورة منها على سبيل المثال، إضافة رسم بسيط على الـ145 مليون فاتورة كهرباء التي يتم إرسالها شهريا للمستهلكين في الولايات المتحدة في نهاية المطاف، يمكن القول: إن ذلك الإنفاق لن يكون فريداً في نوعه: فالحربين العراقية والأفغانية الممولتين بالديون، على سبيل المثال، كلفتا وفق تقديرات حديثة ما بين 4 إلى 6 تريليون دولار. ولتجنب احتمال انهيار النظام المالي العالمي في الكساد الكبير في الثلاثنيات من القرن الماضي، تم تخصيص ما يزيد على 10 تريليونات دولار بوساطة الحكومة وإنفاق مايزيد عن 2 تريليون دولار. لأجيال عدة، كنا نفترض ببساطة أن العمال ومجتمعاتهم غير محظوظين عندما أدت قرارات السياسات الحكومية والمؤسساتية إلى نسف الاقتصاد الذي يدعمهم. وحركة «الانتقال العادل» تقدم لنا الفرصة لدحض هذا الافتراض وإدراك أهمية أن يكون الحفاظ على العالم مرتبطا ارتباطا وثيقا بالإلتزام بالرخاء الاقتصادي للجميع. جوناثان تاسيني: خبير استراتيجي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»