لعبت آراء المرشح الرئاسي «دونالد ترامب» المناوئة للمهاجرين دوراً كبيراً في رفع نسب تأييده في استطلاعات الرأي، التي تجرى في نطاق الانتخابات التمهيدية للحزب «الجمهوري». وهناك من الأسباب ما يدفع للاعتقاد أنه قد أسدى معروفاً للبلاد بشكل عام، من خلال إجباره المرشحين اليمينيين على التنصل من المشاعر المناوئة للمهاجرين. وهذا شيء جيد في حد ذاته، لأن «ترامب» يساعد بذلك على إنقاذ الولايات المتحدة من داء السياسات المناوئة للمهاجرين التي تتبناها الأحزاب اليمينية الأوروبية. لكن هذا يثير سؤالاً مؤداه: لماذا يحدث ذلك أساساً؟ يعتقد علماء السياسة أن السياسيين، شأنهم في ذلك شأن الفاعلين في السوق، يقومون عندما يرون طلباً على شيء بعينه، بالتقدم لتوفير هذا الشيء. والشعبية التي يحققها «ترامب» دليل على أنه يوجد هناك في الوقت الراهن بعض الطلب في السياسة الأميركية على الآراء المناوئة للمهاجرين. يقودنا هذا إلى سؤال آخر: ما دام الأمر كذلك، فلماذا لا يتقدم المرشحون اليمينيون لتوفير هذه السلعة؟ قد يقول البعض أن سياسيينا، في أعماقهم، لديهم ثقة كبيرة في دوافع الآخرين- المهاجرون في هذا السياق- وأنهم ملتزمون بتحقيق الحلم الأميركي في الهجرة، والبعد عن التمييز ضد الآخرين؛ أو قد يقول البعض الآخر ببساطة إن الولايات المتحدة بعيدة عن نمط كراهية المهاجرين السائد في أوروبا. لكن أرقام التأييد المرتفعة التي يحققها «ترامب» في استطلاعات الرأي، تثبت أن بعض الأميركيين على استعداد لجعل المهاجرين كبش فداء وتحميلهم المسؤولية عن الكثير من المشكلات- تماما مثلما يحدث في أوروبا. بمعنى آخر، يمكن القول إن أي مرشح آخر، غير «ترامب»، يردد نفس الآراء التي يرددها بشأن المهاجرين، فإن آراءه تلك، ستجد تصديقاً وترسخ جذورها. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة هو: إلى أي مدى يمكن أن تحمل تلك الآراء المرشح في مراحل الانتخابات، أي إلى أي مرحلة يمكن أن توصله؟ هنا تظهر الخصائص المميزة للانتخابات الرئاسية الأميركية بشكل واضح. ففي النظام الانتخابي الغريب المطبق لدينا الآن، فإن طريقة لكسب الانتخابات التمهيدية لأي حزب، هي خطب ود المؤيدين المخلصين، الذين يميلون لأن يكونوا أكثر حزبية، وأكثر تطرفاً من الناخب الذي يقف في الوسط. معنى ذلك أن مرشحا مثل«جيب بوش» سيتجه يميناً لمواجهة تحدي «تيد كروز»، «ريك بيري»، و«ريك سانتورم»، و«بوبي جيندال»، وغيرهم. وعلى المنوال نفسه، سيتعين على هيلاري كلينتون أن تتجه يساراً في الانتخابات التمهيدية لحزبها. ولكن التودد وتلبية مطالب المتطرفين في الحزب، هي الجزء الأول فقط من العملية الانتخابية المكونة من خطوتين. ففي الجزء الثاني من تلك العملية، سيتعين على المرشحين العودة مرة ثانية لمنطقة الوسط للحصول على تأييد الناخب الوسطي، إذا ما أرادوا أن يكسبوا الانتخابات العامة. في الأحوال المثالية، يفضل معظم المرشحين «الجمهوريين» السكوت عن موضوع الهجرة، للاستفادة من العواطف المناوئة للمهاجرين من دون أن يتفوهوا بكلمة واحدة قد تؤثر على حظوظهم في السباق الانتخابي. فالسبب الذي يدفع هؤلاء المرشحين للغضب من ترامب على وجه التحديد، هو أنه يرغمهم بتصريحاته، على رفض السياسات المناوئة للهجرة علنا مما يؤدي لفقدانهم لدعم الناخبين الذين يكرهون المهاجرين. كل ذلك بالطبع نتاج لنظام الحزبين والنظام الانتخابي الرئاسي المباشر. أما في النظام البرلماني، كما هو الحال في أوروبا، على سبيل المثال، فيمكن لأي حزب أن يصبح حزباً كبيراً، ومهماً، من دون أن يضطر لخطب ود الناخبين المعتدلين. في الوقت الراهن يظل الجمهوريون اليمينيون غير سعداء، بسبب عدم قدرة حزبهم على ترشيح شخص محافظ حقيقي ومخلص لمبادئة. لذلك، لا يجدون شيئا أمامهم في الوقت الراهن، سوى الاكتفاء بمحاولة تحريك الحزب في مجمله لليمين، والقيام أثناء ذلك، بصب اللعنات على دونالد ترامب. نوح فيلدمان: أستاذ القانون الدستوري والدولي بجامعة هارفارد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوزسيرفس»