منذ اندلاع ثورة الخميني في إيران عام 1979، دخلت الولايات المتحدة في مواجهة مع طهران. وطيلة السنوات التي استغرقتها تلك المواجهة، كان هناك أميركيون كثيرون يتقدمون لطرح مقترحات لحل الصراع بين البلدين. ومن بين الاقتراحات التى حظيت باهتمام كبير من جانب محللين سياسيين أميركيين ذلك المتعلق بفكرة «الصفقة الكبرى» التي كانت تعني أنه، ونظرا لتعدد شكاوى كل طرف من الطرف الآخر، فإن الطريقة المثلى لحل تلك الشكاوى، لا تكون من خلال تناول كل موضوع أو شكوى على حدة، وإنما من خلال وضع كافة الموضوعات المعلقة على الطاولة، والتوصل لمقايضات وحلول بشأنها. والمشكلة كانت أن تلك الفكرة لم تُجرب فعليا من قبل أي رئيس أميركي. وعندما جاء أوباما تحدث في البداية بعبارات عامة، وغير محددة، عن هذه الفكرة، ولكنه بدأ منذ ثلاث سنوات تقريباً، يركز على إمكانية الدخول في مفاوضات مع إيران بشأن موضوع واحد ومحدد هو موضوع الأسلحة النووية. وفي إطار نهجه هذا، عمل أوباما على تكوين تحالف مكون من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن مضافا إليهم ألمانيا كي يكون مندوبوهم جزءاً من الفريق الذي يتفاوض مع إيران بشأن الموضوع النووي على وجه التحديد. مؤخراً، تم الانتهاء من المفاوضات النووية والتوصل لاتفاق مع إيران. وخلال الشهور القادمة سيجتمع الأطراف الموقعون على ما يعرف بـ«خطة العمل المشتركة الشاملة» لوضع بنودها موضع التطبيق. والخطة التي تم التوصل إليها، تركز إلى حد كبير على الجوانب الفنية المتخصصة المتعلقة ببرنامج إيران النووي مباشرة. وهو أمر بعيد تماماً عما يمكن اعتباره «صفقة كبرى». ولكن ما حدث بعد التوصل للاتفاق، هو أن المرشد الأعلى لإيران «على خامنئي» ألقى خطبة مهمة أسهب خلالها في التعبير عن الشكاوى التي تحملها إيران تجاه الولايات المتحدة. من تلك الشكاوى أن الولايات المتحدة تدعم حكومة البحرين ضد الأغلبية الشيعية المحرومة من الحقوق والامتيازات، وأن الولايات المتحدة تتواطأ مع إسرائيل ضد الفلسطينيين، وأنها تدعم السعودية ودول مجلس التعاون العربية في جهودهم الرامية لإنهاء التمرد "الحوثي" في اليمن، وأن سياسة الولايات المتحدة في سوريا هي التي أدت إلى هيمنة جماعات الإسلام الراديكالي مثل "القاعدة" و"داعش" في ذلك البلد. والتقطت الجماهير مغزى خطابة واخذت تردد الهتاف المعهود «الموت لأميركا». وكان خامنئي يهدف من خطابه كما يبدو إلى شيئين هما: الأول، خطب ود المحافظين والعناصر المناوئة لأميركا داخل إيران، التي قد يكون لها اعتراضات على الاتفاق النووي. الثاني، أنه كان يحاول تأكيد القيادة الإيرانية في الشرق الأوسط من خلال التركيز على شكاوى ومظالم يعتقد تتردد على نطاق واسع في مختلف الدول العربية. والرد الذي يجب أن يرد به أوباما على خطاب خامنئي هو أن يبين أن الدعم الأميركي للاتفاق النووي، لا يعني أن واشنطن تخلت عن معارضتها لإيران بشأن الموضوعات الأخرى موضوع الخلاف. وهو ما كان أوباما قد أوضحه بالفعل في الحقيقة، وبجلاء، في مقابلة أجراها مع صحيفة «نيويورك تايمز» عقب الاتفاق النووي مباشر قال فيها: «إن هناك توجهات عميقة في إيران مناوئة ليس فقط لمصالحنا القومية ورؤانا، وإنما للمصالح القومية لحلفائنا في المنطقة». كان أوباما يشير في ذلك إلى عدة موضوعات أساسية تختلف فيها الولايات المتحدة اختلافاً كبيراً مع النظام الإيراني في حين تتفق فيها في الآن ذاته مع دول عربية مهمة. فالولايات المتحدة ودول الخليج العربية تنادي بضرورة تخلي الرئيس الأسد عن السلطة، في حين تدعم إيران بقاءه؛ كما أن الولايات المتحدة تعارض تدخل "حزب الله"، وهو أداة في يد إيران في سوريا إلى جانب قوات الأسد. وفي الموضوع العراقي تعرب الولايات المتحدة عن قلقها من طبيعة التدخل الإيراني المباشر بواسطة الميليشيات المدعومة من قبل في شؤون العراق. وفي اليمن، تساند الولايات المتحدة الجهد الذي تقوده السعودية لإعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي للسلطة، في حين تدعم إيران التمرد "الحوثي". لقد أعربت الولايات المتحدة عن عدم رضاها عن الموقف الإيراني في كل تلك الموضوعات، على الرغم من الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه معها- وهو موقف لن يتغير في اعتقادي. وببقاء العديد من مثل هذه الجوانب الخطيرة من جوانب عدم الاتفاق بين الجانبين، فإن ذلك يعني في واقع الأمر، أنه ليست ثمة «صفقة كبرى» بينهما، ولا أي شيء من هذا القبيل.