تحرص دولة الإمارات العربية المتحدة وقيادتها الرشيدة على تحقيق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي لأفراد المجتمع بمختلف شرائحه، وضمان استدامة هذا الرفاه بمرور الزمن، ومن أجل ذلك تتبع سياسات اقتصادية ومالية تتوافر فيها معايير الكفاءة والمرونة والتوازن في آنٍ واحد. وقد كان لنهجها هذا الفضل في تمكين الاقتصاد الوطني من اجتياز العديد من العقبات على مدار العقود الماضية، وليس تمكّنه من الخروج المبكر من الأزمة المالية العالمية إلا أحد هذه الإنجازات. وكان لهذا النهج دور مهم في جعل الإمارات محل ثقة المؤسسات الدولية وتقديرها أيضاً، وأوصلها إلى مكانة متقدمة في العديد من المؤشرات التنموية على الصعيد العالمي. وفي هذا الإطار، يأتي قرار تحرير أسعار الوقود (الجازولين والديزل)، الذي أقدمت عليه دولة الإمارات العربية المتحدة، مؤخراً، والذي سيكون موضعاً للتطبيق في مطلع شهر أغسطس المقبل. ذلك القرار، الذي وصفه «البنك الدولي» بأنه خطوة إصلاحية مهمة لتعزيز النمو، ينطوي على العديد من الجوانب الإيجابية، إذ إنه سيساعد على تقليص حجم الدعم الموجّه للوقود، الذي يبلغ وفق تقديرات «صندوق النقد الدولي» نحو سبعة مليارات دولار سنوياً، وفي ظل النهج التنموي الذي تتبعه الدولة، فسيكون بمقدورها من خلال هذا القرار جني عوائد تنموية عديدة، أهمها: أولاً، سيساعدها القرار على إعادة توجيه الأموال المُدَّخرة من تقليص الدعم إلى قطاعات أخرى أكثر أهمية، كالتعليم، والصحة، والمرافق العامة، والبنى التحتية، بما يعود بالفائدة على مختلف شرائح المجتمع الإماراتي، بعد أن كانت الاستفادة منها قاصرة على المستفيدين من دعم الوقود في الماضي فقط، ولاسيما مالكي السيارات الخاصة. ثانياً، بمقدور الدولة تحريك أو إعادة توجيه هذه الأموال من قطاع اقتصادي إلى آخر وفقاً لاحتياجات النمو الاقتصادي ومتطلباته، التي تختلف بطبيعة الحال من مرحلة زمنية إلى أخرى، وهذا الأمر يساعد الحكومة على مواكبة الدورة الاقتصادية والاستجابة بفاعلية إلى التطورات الاقتصادية العالمية، وهو ما يزيد من قدراتها على تحفيز النمو بشكل مستمر. ثالثاً، ستتمكّن الحكومة الإماراتية من تخفيف الضغط على الموازنة العامة للدولة، وتجنيبها خطر التعرض للعجوزات المالية، ولاسيما في أوقات تراجع إيرادات النقد الأجنبي، في حال حدوث أي أزمات مالية عالمية، أو نتيجة لأي انخفاض في أسعار النفط العالمية، كما حدث خلال الشهور الماضية، ومن ثمَّ فإن مثل هذا القرار سيسهم بشكل فاعل في تقليل نسبة انكشاف المالية العامة الإماراتية على الاضطرابات المالية والاقتصادية العالمية. رابعاً، يرتبط قرار تحرير أسعار الوقود بشكل كبير بشروط استدامة التنمية وحماية البيئة وحماية حقوق الأجيال القادمة من الموارد الطبيعية، إذ إنه يزيد كفاءة توزيع الموارد بين القطاعات الاقتصادية، ليقلل من نسبة هدرها عبر ترشيد الاستهلاك، وإعادة تخصيص الفائض منها إلى القطاعات الأكثر احتياجاً. وإذ كان الحديث هنا عن الوقود، فإن الجزء الفائض منه يمكن توجيهه إلى القطاعات الصناعية أو الخدمية، التي هي أكثر أهمية من ناحية القيمة المضافة والنمو والتطور الاقتصادي. وترشيد استهلاك الوقود ومصادر الطاقة عموماً سيكون له دور مهم في تحسين المؤشرات البيئية للدولة، عبر تقليص نسبة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من ناحية، وحماية الموارد الطبيعية من النضوب من ناحية أخرى. وهذه النقطة الأخيرة ذات وزن نسبي مهم في استدامة التنمية على أرض هذا الوطن، لا سيما أنها ستحمي حقوق الأجيال القادمة من مصادر الطاقة والموارد الطبيعية عموماً، وستضمن لهم العيش الكريم في بيئة نظيفة وآمنة، تساوي على الأقل ما هو متوافر للأجيال الحالية إن لم يكن أفضل. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.