حقق مجموعة من الأطباء بإحدى مستشفيات مدينة «مانشستر» البريطانية، اختراقاً هو الأول من نوعه، من خلال استخدام ما يمكن أن نطلق عليه (شبكية اصطناعية أو إلكترونية) لاستعادة بعض من البصر في مريض يبلغ من العمر ثمانين عاماً، ومصاب بمرض يعرف بـ«التنكس البقعي» (age-related macular degeneration). ومن دون الدخول في التفاصيل، تتكون الرؤية لأي شخص من مجالين: مجال الرؤية المركزي، والذي يشمل المنطقة المركزية، أو ما تراه أمامك مباشرة عند النظر للأمام، ويتميز هذا المجال بدقة ووضوح. المجال الثاني، أو مجال الرؤية الطرفي أو الخارجي، ويتكون من أطراف ما تراه عيناك عند النظر للأمام، ويتميز هذا المجال بدقة ووضوح أقل. بمعنى أنك إذا أردت أن ترى شيئاً بدقة عالية، فستنظر إليه مباشرة، مستخدماً الرؤية المركزية، وفي الوقت نفسه ستظل ترى الأجسام المحيطة به، أو التي على أطرافه، ولكن بشكل أقل دقة ووضوحاً. وما يحدث في المرض سابق الذكر، أو التنكس البقعي، أنه مع التقدم في السن، يبدأ الجزء المركزي من الشبكية، المسؤول عن مجال الرؤية المركزية، في الضعف والتدهور، بدرجة تجعل المريض مصاباً بفقدان البصر مركزياً، مع الاحتفاظ بمجال الرؤية الطرفي. ويصيب هذا النوع من فقدان البصر ما بين 30 إلى 50 مليون شخص حول العالم، نصف مليون منهم في بريطانيا وحدها، والتي يزداد عدد المصابين فيها بالتنكس البقعي بأكثر من 44 ألفاً سنوياً. وتعتمد فكرة الشبكية الاصطناعية أو الإلكترونية، والتي يحلو للبعض وصفها بالعين الرقمية أو البيونية (Bionic Eye)، على كاميرا فيديو مثبتة على نظارات خاصة، ومتصلة بمعالج رقمي، يقوم بتحويل الصورة القادمة من الكاميرا إلى نبضات كهربائية، تُرسل بشكل لاسلكي إلى شريحة أو رقيقة مزروعة في شبكية الشخص المصاب بفقدان البصر. وتحتوي هذه الشريحة أو الرقيقة على معالج كمبيوتر، يعيد ترجمة النبضات الكهربائية، ثم يغذيها للشبكية، كي يقوم المخ بإعادة تفسيرها، تماماً كما يحدث في الرؤية الطبيعية العادية. ورغم أن النظام بأكمله، والشريحة الرقمية بالتحديد، لا يمكنها حالياً أن تضاهي دقة وكفاءة الشبكية الطبيعية، إلا أن الأمل في استمرار التطور التكنولوجي مستقبلاً، بحيث يمكّن يوماً ما المرضى المصابين بضعف وضمور الشبكية من استعادة جزء كبير من الرؤية المركزية. ويشكل هذا النجاح الأخير الذي أعلن عنه بداية الأسبوع الماضي، تتويجاً لجهود حثيثة، سعت لإيجاد بديل اصطناعي لشبكية العين. فمنذ عقود والعلماء والأطباء يحاولون علاج المشاكل الأساسية التي تتسبب في فقدان الملايين لبصرهم. حيث تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية لعام 2012، إلى إصابة 285 مليون شخص بالإعاقة البصرية، منهم 246 مليوناً مصابون بضعف البصر، و39 مليوناً مصابون بالعمى التام، وهو ما يعني أنه مقابل كل شخص مصاب بالعمى التام يوجد 3.4 أشخاص مصابين بضعف البصر. ولا تُستثنى الدول الصناعية والغنية من هذه المشكلة الصحية واسعة الانتشار، حيث يقدر أنه في الولايات المتحدة فقط، وحسب إحصائيات 1994-1995، يوجد 1.3 مليون شخص مصابون بالعمى حسب التعريف القانوني. أما من المنظور الطبي، وحسب التصنيف الدولي للأمراض، فيتم تقسيم القدرات البصرية إلى أربعة مستويات، هي: القدرة البصرية الطبيعية، والإعاقة البصرية المتوسطة، والإعاقة البصرية الشديدة، وفقدان البصر أو العمى التام. وفي الاستخدام اللغوي الشائع يجمع مصطلح ضعف البصر كلاً من الإعاقة البصرية المتوسطة والشديدة معاً، بينما تشمل الإعاقة البصرية ضعف البصر وفقدانه معاً، أي جميع الحالات التي لا تعتبر فيها القدرة البصرية طبيعية. ومن منظور الفئات العمرية، لا تتوزع الإعاقة البصرية بشكل متساو، بناء على أن 80 بالمئة من المصابين بالعمى هم ممن تخطوا سن الخمسين، على الرغم من أن هذه الفئة العمرية تشكل 20 بالمئة فقط من مجمل سكان العالم. ويعتبر وقع العمى التام على أشده، بين الأطفال بناء على أن ما يطلق عليه (سنوات العمى) أو عدد السنوات التي يقضيها الشخص فاقداً لبصره، هي الأطول بين هذه الفئة العمرية. ويُقدر حالياً وجود 1.4 مليون طفل دون سن الخامسة عشر مصابين بفقدان البصر. وعلى المنوال نفسه، تتباين معدلات الإصابة بفقدان البصر بين الجنسين، حيث يتضح أنه في جميع مناطق العالم دون استثناء، وبين جميع الفئات العمرية، تزداد معدلات الإصابة بفقدان البصر بين الإناث، مقارنة بمثيلتها بين الذكور. وهو ما ينطبق أيضاً على التوزع الجغرافي، حيث يقطن 90 بالمئة من المصابين بالعمى في الدول النامية.