نشرت «الإندبندنت» موضوعاً تحت عنوان «انسوا الفرنسية والصينية.. العربية هي اللغة التي يجب تعلمها»، وقالت الجريدة: إن هناك أكثر من 300 مليون شخص يتحدثون العربية وهو ما جعل المعهد البريطاني يطالب بتعليمها في المدراس البريطانية، مضيفة: أن إدراج العربية على لائحة اللغات الأكثر أهمية في المدراس البريطانية جاء بعدما أعلن المعهد البريطاني أن العربية ثاني أهم لغة أجنبية للحصول على عمل في المستقبل بعد اللغة الإسبانية. انتهى ملخص ما نشر في «الإندبندنت»، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، أين العربية في بلاد العرب؟ العربية تبدأ في حياة الإنسان بالاستماع، لأننا نتعلم اللغات استماعاً، هذا ما نعرفه في علوم التربية وعلم النفس، فحاسة السمع هي أول الحواس الخمس نشاطاً فور ميلاد الإنسان، في القرآن الكريم قال لنا تعالى: «وَاَللَّه أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُون أُمَّهَاتكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْع وَالْأَبْصَار وَالْأَفْئِدَة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»، السمع مقدم على بقية الحواس كأداة للمعرفة وتتكرر نفس الإشارة في آيات أخرى في القرآن بنفس الترتيب. «وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون»، «قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون»، فماذا يسمع الطفل العربي أول ما يولد، من لهجات وأهازيج في مجتمعنا الذي غلبت عليه العجمة للأسف الشديد. وتتكرر «لخبطة» العجيننفسها في المدارس، وبالذات عندنا في دولة الإمارات فكل معلم ينطق بلهجته، إلا من رحم ربي. ولو تفحصنا الإعلام واللهجات السائدة فيه لرأيت المأساة نفسها، ولعلي لا أفضح سراً إنْ قلت إنني في إحدى المقابلات لي في قناة عربية طلب مني المقدم الابتعاد عن اللغة العربية التي اعشقها والتحدث بلهجتنا في الخليج، لأنه كما قال: «اللغة العربية تجعل حاجزاً بين المشاهدين وبين عقلي»، فقلت له مداعباً: لكني إنْ تحدثت بلهجة أهل الامارات أكون حرمت الكثير من المشاهدين العرب من رسالتي، بعد الأسر والمدارس والإعلام نجد هجراناً للغة العربية في الكثير من المؤسسات، وخصوصاً الاقتصادية منها. فجولة سريعة في المراكز التجارية التي تسمى «مولات» تقنعك بما أريد من فكر. هنا يطرح السؤال ذاته نفسه: هل بيئتنا معززة لتعلم اللغة العربية أم إنها تُعلمك التنكر لها؟ في إحدى رحلاتي في فرنسا كان السائق الذي أقلني من المطار يمثل الجيل الثالث من أصول عربية هاجرت إلى فرنسا، استغربت من فصاحة لغته العربية، فقلت له: أين تعلمتها؟ كان الجواب مفاجاة لي. قال بعد جيل جدي، نسي أبي اللغة العربية، وتعلمت أنا كفرنسي في مدرسة حكومية، فلم أعرف من العربية أكثر من سورة الفاتحة وسور قصيرة من القرآن، لكني صممت أن أعلمها أطفالي عندما رزقت بهم، فاشتركت عبر التلفاز في أكثر من محطة رسوم متحركة تتحدث باللغة العربية الفصحى، وكم كانت سعادتي عندما سمعت أطفالي أثناء لعبهم يستخدمون الجمل التي حفظتها من الرسوم المتحركة، فقررت أن أشاهدها معهم.. وهكذا تعلمت اللغة العربية. ليس المهمة مستحيلة كما يظهر لنا من المثال السابق، لكننا بحاجة إلى بعض الخطوات، لعل أهمها تطوير مناهج اللغة العربية بما يتناسب مع زمن الجيل الجديد، إن إشغال الأطفال ببعض جوانب اللغة التي لا يحتاجها الا المتخصص نَفّر الأطفال من تعلمها، أهم من ذلك براعة المعلم وحبه للغته، لو تحدث معلم اللغة العربية خارج الصف بلهجته، فإن ذلك مؤشر على فقدانه لهذا الولاء للغته، كما أننا بحاجة إلى صياغة قوانين تحفظ مجتمعاتنا، وبالذات في الأسواق والأماكن العامة من إحلال لغة الأجانب على لغتنا العربية، واهم من القانون وجود سلطة رقابية لهذا الأمر. أكاديمي إماراتي