يدور الكثير من الجدل حول التوقعات المرتقبة لإلغاء العقوبات المفروضة على إيران بعد التوصل إلى اتفاق بينها وبين الدول الست الكبرى حول برنامجها النووي، حيث تحتل التغيرات المتوقعة في أسواق النفط، وبالأخص الأسعار، أهمية خاصة، على اعتبار أن إيران دولة رئيسة منتجة ومصدرة للنفط، وتملك طاقة إنتاجية كبيرة ومؤثرة في الأسواق. مبدئياً دون شك سيكون لإلغاء العقوبات تأثيرات كبيرة على أسعار النفط في الأسواق الدولية، بل إن هذه التأثيرات سبقت الإلغاء العملي للعقوبات، وبدأت تأثيراتها منذ الإعلان عن التوصل إلى اتفاق مبادئ في شهر أبريل الماضي بين إيران والدول الست الكبرى، ففي شهر يونيو الماضي ارتفعت واردات الصين من النفط الإيراني 26% مقابل انخفاض وارداتها من النفط السعودي، وذلك بفضل الخصومات الكبيرة التي تقدمها طهران للمشترين الآسيويين بالذات وبالتسهيلات المقدمة لهم، بما في ذلك قبول الصفقات بعملات الدول الآسيوية والبيع بنظام المقايضة بين النفط ومختلف السلع التي تستوردها من تلك البلدان. هذا التحول هو أحد المؤشرات التي يمكن من خلالها استشفاف التغييرات المتوقعة بعد توقيع الاتفاق وإلغاء العقوبات، إذ سيؤدي ذلك إلى ضخ ملايين البراميل الإضافية في سوق النفط، مما سيؤدي إلى تخمة وفائض كبير، سيؤثر دون شك على الأسعار باتجاه انخفاضها بمستويات عالية، خصوصاً أن شركات النفط والغاز العالمية، بما فيها الأوروبية كثفت من توجهاتها للاستثمار في صناعة النفط والغاز الإيرانية بمجرد الإعلان عن التوصل إلى الاتفاق، مما يعني أن عشرات المليارات من الدولارات ستستثمر في هذه الصناعة، مما سيرفع من الطاقة الإنتاجية للنفط الإيراني بصورة كبيرة. يقابله مسعى إيراني لتقديم المزيد من التسهيلات لعمل هذه الشركات، فإيران بحاجة للمزيد من عائدات النفط لتمويل برامجها الاقتصادية والعسكرية ودعم المنظمات الموالية لها في البلدان العربية، وبالأخص «حزب الله» اللبناني وتمويل حروبها وتدخلاتها في سوريا والعراق واليمن، تلك العمال التي تستنزف القدرات المالية لطهران على حساب الشعب الإيراني وتقلل من الجوانب الإيجابية لاتفاقها النووي مع الدول الكبرى. وإذا أضيف إلى ذلك برنامج العراق لزيادة طاقته الإنتاجية من النفط من 3 إلى 6 ملايين برميل يومياً، فإن إنتاج منظمة «أوبك» سيرتفع بنسبة 20% إلى 36 مليون برميل يومياً في فترة ما بعد رفع العقوبات بصورة كاملة، وسيؤدي إلى انخفاض كبير في أسعار النفط، لتصل إلى ما دون الأربعين دولاراً للبرميل، مما سيحد من استفادة إيران من إلغاء العقوبات ومن زيادة طاقتها الإنتاجية، وذلك فضلاً عن تأثيره على كافة البلدان المنتجة والمصدرة للنفط. وفي الوقت نفسه، سيؤدي ذلك إلى اشتداد المنافسة وتحويل سوق النفط الدولية إلى سوق مشترين، إذ ستزداد الخصومات والتسهيلات المقدمة، التي ستستفيد منها كثيراً البلدان المستوردة، وبالأخص في آسيا، التي ستستغل هذه الأوضاع للحصول على احتياجاتها من النفط بأسعار متدنية، كما أنه ستتوفر لها فرصة مهمة لملء خزاناتها ورفع نسب احتياطياتها من النفط. ذلك يعني أن إيران رغم رفع العقوبات وزيادة طاقتها الإنتاجية لن تستفيد كثيراً وسيحد ذلك من حدوث زيادة كبيرة في عائداتها النفطية، فانخفاض الأسعار سيلتهم جزءاً كبيراً من هذه الزيادة المتوقعة في عائداتها النفطية، خصوصاً أن هناك العديد من المنتجين الكبار في «أوبك»، الذين يملكون قدرات تنافسية أقوى من إيران، كما أن أوضاعهم المالية أفضل في الوقت الذي لا يوجد لديهم التزامات لتمويل حروب ومنظمات خارجية، كما هي الحال مع إيران التي تعمل على خلق بؤر للتوتر وعدم الاستقرار في المنطقة. إذن هناك تطورات مهمة وكبيرة تنتظرها أسواق وأسعار النفط في العالم في الفترة القادمة، ستتمخض عنها عواقب اقتصادية وتنموية مؤثرة، ستشمل اقتصادات كافة بلدان العالم المصدر والمستورد منها للنفط، وذلك بحكم موقع النفط وأهميته، كمصدر أساسي للطاقة.