يعرض لنا المؤلف «مايكل هيلتزيك»، الحاصل على جائزة بوليتزر المرموقة والكاتب بصحيفة «لوس أنجلوس تايمز»، في كتابه «العلم الكبير.. إيرنست لورانس والاختراع الذي دشن المجمع العسكري الصناعي» الجوانب غير المروية من قبل والمتعلقة بالكيفية التي تحول بها العلم إلى «علم كبير»، وكيف نجح هذا العلم الكبير في بناء القنبلة الذرية التي ساهمت في انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. و«العلم الكبير»، كما يوضح المؤلف، مفهوم يستخدمه العلماء ومؤرخو العلوم لوصف التغيرات التي طرأت على العلوم في الدول الصناعية أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية بعد أن أصبحت المنجزات العلمية تتم عبر مشاريع ضخمة، حكومية أو خاصة. ويسهب المؤلف في الحديث عن العبقرية المنسية التي بدأت ذلك التحول المهم، وهي عبقرية العالم «إيرنست لورانس». فمنذ ثلاثينيات القرن الماضي، نما نطاق الجهود والمساعى العلمية الهادفة للاكتشافات، بشكل لم يسبق له مثيل. وهنا يذكر المؤلف كيف أن أول «جهاز معجل لانشطار الجسيمات» كلف مبلغاً زهيداً لم يتجاوز مئات الدولارات، وكان من الممكن الإمساك به في كف الشخص الذي قام بابتكاره، أما الجهاز الذي جاء بعده، وهو «معجل الهادرونات الكبير» (الهادرون هو الجزيء الذي يتفاعل بقوّة مع الجزيئات الأخرى) فكلف عشرات المليارات من الدولارات وكان محيطه يبلغ 17 ميلاً كاملة. يقول المؤلف إن العلماء اخترعوا أسلحة نووية، ووضعوا الإنسان على سطح القمر، وفحصوا الطبيعة على مستوى مادون ذري (متعلق بباطن الذرة)، وكل ذلك من خلال «العلم الكبير» وأبحاثه الممولة من قبل الحكومات والمؤسسات الخاصة. ويتقصى المؤلف بداية «العلم الكبير»، فيقول إنه نشأ في بيركلي بولاية كاليفورنيا، منذ حوالي تسعة عقود، عندما قام عالم شاب صاحب موهبة غير عادية في الفيزياء، وموهبة لا تقل عن ذلك في كيفية الترقي الشخصي، بعرض اختراعه المذهل، وقد لاحت على محياه علامات الفخر والسعادة قائلاً لمن حوله: «سأصبح مشهوراً عما قريب». كان هذا الاختراع الفذ هو «جهاز تحطيم الذرة» الذي قام بتثوير علم الفيزياء؛ لكن ذلك لم يكن كل شيء بالنسبة للأثر الخطير لهذا الجهاز على تطور العلم عموماً. فهذا الجهاز هو الذي أدى لتغيير فهمنا للبنيات الأساسية للطبيعة، وساعد في انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، وكان لقدراته الفائقة أصداء واسعة المدى ليس فقط على المستوى الأكاديمي وإنما على السياسات الدولية أيضاً، حيث مثل البداية الفعلية لـ«العلم الكبير». وفي نهاية كتابه، يقول المؤلف إن اختراع «جهاز تحطيم الذرة» لم يكن الإنجاز الوحيد للورانس وإنما كانت للرجل إنجازات أخرى من أهمها إقامة البنية التحتية التي جعلت اختراع هذا الجهاز وغيره من الأجهزة ممكناً، وهو عمل كان يحتاج إلى عبقرية إدارية لا تقل عن عبقريته العلمية، ومن حسن الحظ أن تلك العبقرية كانت متوافرة لدى لورانس أيضاً، فقد عرف كيف يغذي طموحات الرعاة الأقوياء، والأثرياء، وكيف يقدم الاحترام والتوقير والمكانة اللائقة لمديري الجامعات، وكيف يقدم لعلماء البيولوجيا النظائر المشعة للاستخدامات الطبية، أما للصناعيين فقدم مواد جديدة وموارد للطاقة، أما المساهمون والمتبرعون في مشروعات «العلم الكبير»، فأتاح لهم تحقيق المجد والخلود نظير إسهاماتهم التي ما كان ممكنا لـ«العلم الكبير» أن يتطور بدونها إلى ما تطور إليه فيما بعد. سعيد كامل الكتاب: العلم الكبير.. إيرنست لورانس والاختراع الذي دشن المجمع العسكري الصناعي المؤلف: مايكل هيلتزيك الناشر: سايمون وشوستر تاريخ النشر: يوليو 2015